كان لعلماء فلسطين بعامة وعلماء بيت المقدس خاصة، الأثر البالغ في نشر العلوم وذيوع المعرفة في «دمشق»؛ ومنها إلى شتى بقاع الأرض، حيث ضربت إليهم الأكباد للتلقي والأخذ عنهم.

يرجع المؤرخون تاريخ بدء هجرة المقادسة إلى الشام إلى عام (551 هـ)، حيث حطت رحالها أول جماعة منهم على أرضها. ولدى وصول «المقادسة» فرح الناس بقدومهم، واغتبطوا بوجودهم، فتنافسوا في إكرامهم، وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم، وكان في مقدمة الوافدين العالم الجليل أحمد بن قدامة، وقريبه ابن سرور والد الإمام عبدالغني، وعبدالواحد المقدسي، والد الحافظ ضياء الدين، ثم توالت الوفود المباركة.

وكان نزولهم ابتداء في مسجد أبي صالح ظاهر الباب الشرقي لمدينة دمشق، فأقاموا مدة، غير أن طبيعة المكان لم تناسبهم، فجعلوا يبحثون عن مكان أفضل، فوقع اختيارهم على جبل قاسيون حيث المكان المرتفع المطل على دمشق وضواحيها، وسط البساتين الجميلة، والحدائق الخميلة، والجداول الرقراقة.. ومن هناك انتشر علم المقادسة وعم شعاعه.

وبمعاونة من نور الدين زنكي قام «المقادسة» ببناء المدرسة الصالحية وهي ما يعرف الآن بالعمرية، نسبة إلى مؤسسها الشيخ أبي عمر (ت 607هـ).

ثم كثر البناء في تلك المنطقة التي اشتهرت، فيما بعد، بالصالحية - نسبةً إلى صلاحهم، ولما سئل أبو صالح عن ذلك قال: نسبونا إلى مسجد أبي صالح لأننا نزلنا فيه، لا لأنا صالحون، وعقب على ذلك العلامة ابن طولون (953هـ) بقوله: «وهذا من تواضع الشيخ»، وبعد حين صارت مفخرة دمشق يسهب في وصفها الرحالون والأدباء، وينشد في مدحها المداحون والشعراء.

ولقد لقيت أسرة المقادسة من نور الدين زنكي كل رعاية واهتمام، وكان يقول: «هذا الشيخ أحمد رجل صالح، وأنا أزوره لأنتفع به». وقد نبغ منهم غير واحد من العلماء مثل؛ الشيخ الزاهد الفقيه المقرئ المحدث أبو عمر ولد سنة (528هـ) بجماعيل.