حين أقرأ الأمثال الشعبية والأقوال في الأوطان البعيدة .. أجدها مليئة بالحكمة، على الرغم من الاختلاف بين المثل والقول والحكمة، فالمثل يُصنع من الحياة، في مناسبةٍ أو حادثة، بينما الحكمة نحو الحياة، أي بنظرة إلى الأمام توافق الصواب والحق، لتبقى الحكمة نوافذها عالية وذات إطار رؤيوي صلب ...
إلا أن الأمثلة تلك التي قرأتها كانت مستنيرة وخيّرة، وعلى إثر الخير لا شيء كالخير يجعل الأمر حكيماً، وإلا كيف نستطيع الحكم على أنفسنا وسلوكنا الطيب بأننا حكماء؟ من أين تأتي الحكمة؟ ووفقاً لأي أخلاق يا ترى نحن حكماء؟ وأية فضيلة؟
لدى الصين مَثَل أشبه بنصيحة قديمة فحكمة تقول: من لا يعلم يتعلم، ومن يعلم أنه يعلم فاستمعوا له، ومن لا يعلم أنه يعلم فأيقظوه، ومن لا يعلم أنه لا يعلم فاهربوا...
أما الروائي الفرنسي المعروف بتمرده ألبير كامو، ترك حكمة قالها: المذنب هو من يعتقد أنه بريء ..
وكما يبدو أنه اكتسب الحكمة من عبثيته وبوهيميته المعروفة، أي بعد تركه الصراع على أيّ شيء وكل شيء .. والترك حكمة.
وعلى خلاف كامو، نذهب إلى الشاعر الحكيم عنترة بن شداد، حين رأى غرور قومه، وكيف يحجب غضبهم بالحكمة، فالغضب يجعلنا لا نفكر أصلاً .. ليقول عنترة قوله الخالد:
ولا ينالُ العُلا مَنْ طبْعُه الغَضَبُ..
وكأن الحكمة هي مكبح العجلة.
المؤلفة والروائية الإنجليزية جاين أوستن، صرحت أيضاً بتفضيلها الحكمة على الذكاء والغرور وحتى العبث...
لكن ماذا عن عصرنا التقني اليوم، أين تكمن الحكمة ونحن في وظائفنا الإنتاجية التنافسية؟ هل من خلال الفشل، أم مع التقدم في السن المرافق لخبرة العمل؟ أو ضمن التسامح الذي ننشره بين الزملاء، والحل الذي نمنحه أمام أزمة ومشكلة ... لكن وعلى العكس من هذا، قال السياسي الهندي غاندي يوماً: الحياة ليست مشكلة كي نحلها، بل لغزٌ جميلٌ نعيشه.
وبين كل هذا نعود للمعلم الأول أرسطو الذي فسر الحكمة قائلاً:
«لا يكون الإنسان حكيماً، حتى يعرف الحقيقة، والحقيقة في المعرفة».
وبالطبع هو يعني معرفة الجمال، الآتية من الفكرة الجمالية السماوية، وهي فكرة غير قابلة للقسمة إلا على الحكمة، حكمة الحياة وهي تنمو مع التجاهل والصمت المغلف بالرشد والعبرة.