دليل الخليج العربي " 1-2"

هل يوجد لدينا دليل جغرافي حديث ومتكامل عن الإمارات ومنطقة الخليج وعُمان أو دعونا نقول عن جزيرة العرب كلها واليمن؟

الدليل الجغرافي بما يشمل من دراسة الأرض ومعالمها وسكانها وظواهرها، تتجاوز المعلومات العامة والبسيطة، دليل يكتبه جغرافي يتمتع بفهم خاص عن الأرض، باستخدام أساليب تطبيقية ومهارات تحليلية وهو يجيب عن أسئلتنا حول أنفسنا كظاهرة بشرية وفيزيائية.. ليس كالجغرافي يملك البراعة الخاصة في تحديد لماذا؟ وأين؟ وليس كالتخصص الجغرافي المتعدد الأوجه والفروع، من جغرافيا بشرية وطبيعية وبيئية وسياسية، والمتكاملة في تقنياتها وتفاصيلها حول إدارة البيانات العمرانية بهيئتها الرقمية مروراً بالمسوحات ونظمها المعلوماتية والمكانية، نهايةً برسم الخرائط، ليتبع الجغرافي كل هذا بمعالجة وتحليل وعرض...

هناك دليل جغرافي عن الخليج العربي، كَتَبَه أو جَمَعَهُ قبل قرن المقيم البريطاني في الخليج جون لوريمير، كتابٌ تَوَزّعَ في مجلدات عدة بعنوان: (دليل الخليج العربي وعُمان ووسط الجزيرة العربية)، بلا شك هو عنوان طويل، لكنه يحتوي على معلومات دقيقة عن مدن الخليج العربي.

أمروه بالبدء فيه عام 1903م، فقام بتأريخها بعد تمويل، بهدف السيطرة العسكرية، لينتهي الكتاب حينها في مجلدين ضخمين، يحتوي كل منهما على خمسة آلاف صفحة، المجلد الأول يتعلق بالجزء الجغرافي، والآخر بالجزء التاريخي، وكان شبه مكتمل حين رحل مبكراً في مدينة بوشهر (بو شراع)، عام 1914م وهو في الثالثة والأربعين من عمره، حيث قتل نفسه بالخطأ، في غرفة ملابسه، وهو ينظف مسدسه، ليضرب الرصاصة في معدته.

ومنذ وفاة لوريمير تم تداول (دليل الخليج) بسرية تامة بين نخبة من الوكلاء السياسيين والعسكريين والمخططين والدبلوماسيين العاملين في الحكومتين البريطانية والهندية، حتى عام 1953م، وظل الدليل تحت السيطرة المشددة إلى عام 1970م، وذلك بموجب قانون الخمسين عاماً، فلم يُذكر هذا العمل إلا في تلميحات.

أما على المستوى العملي، سَهّلَ الدليل عليهم معرفة المنطقة، وأمكنهم فرض سيطرتهم، لما فيه من توثيق ودراسة وأرقام وأسماء غير مسبوقة عن سكانها وأملاكهم، ومشاهد اجتماعية واقتصادية وسياسية لم تكشف من قبل.

فكل من قرأ دليل الخليج - وله ترجمة عربية - يجد حقيقة تاريخ الخليج العربي في القرن العشرين وما قبله، حيث ألقى الضوء على المكان بشكل رقمي دقيق، رغم تَحَيّزات جون لوريمير وذاتيته الواضحة، ومع ذلك عزز الدليل الفهرسة الجغرافية للخليج، كاشفاً عما لا ينبغي إغفاله...

وما زال هذا الدليل الجغرافي مُعْتَمَدَاً في دراسات الباحثين حتى اليوم.