الجوائز الخضراء

من تجليات الجوائز الأدبية العالمية في السنوات الأخيرة، انتصارها للبيئة الخضراء وعالم النبات، بنيلها أرفع الجوائز، لما فيها من غِنى الخيال والسرد حول الطبيعة في سياقاتها الوجودية، وكتابات برؤية خضراء تثير التساؤلات بين السطور وأفكار متجددة، لنباتات وليدة إلى تدخلات البشر فيها لأغراض مُصنعة، والاستغلال الخفي لخرائط الأرض.. جعلت الأشجار استثماراً ذكياً وملهماً في الشعر والرواية المعاصرة وحتى القصة القصيرة برحابتها، وذخيرة حقيقية ونقية، ليبقى في وعي القارئ.

مُفرح تقدير جوائز الأدب للطبيعة وعلاقتها بالكائنات، أمام الحروب الحارقة، مروراً بتبدل الظروف المناخية على سطح الأرض بحرارتها المرتفعة، فجوائز اليوم باتت تستشرف البيئة في مواجهة الألم، من خلال ارتقاء اللون الأخضر في حياة الإنسان المرتقبة، ليأتي نداء الأدب الأخضر ويستبين لنا هشاشة الحياة من دون نبات، كما فعلت الأديبة الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب قبل أيام، وتعبيرها عن الأحوال الإنسانية، ورغبتها المجازية في أن تتحول إلى شجرة والتخلي عن أكل الحيوانات.

وكم كانت صدفة خضراء قبل إعلان نوبل بأيام، قراءتي كتاب إماراتي خاص لليافعين بعنوان (الغافة، بعض الأشجار ليست كما تبدو)، لمؤلفتها المبدعة فاطمة الكمالي، استطاعت بروايتها المميزة أن تقدم مشروعاً جمالياً وفنياً يصلح تحويله إلى فن كرتوني أو سينمائي أو مسرحي.. كما هي أعمال هان كانغ فمعظمها تحولت إلى أعمال فنية ودرامية.. حيث تُحلق صاحبة الغافة بخيالها المستند إلى وعي جمالي ذاتي، وبرؤية تحديثية، وسرد جميل يعادي التقليد، بابتكارها دهشة الغرابة والحيرة والخوف في مواجهة الطبيعة، من خلال غافة أُغلق عليها غرفة بسقف مفتوح، تتحدث بلطف رغم شرور ما بداخلها، وسؤال الخيال ماذا لو أكلت الأشجار الإنسان؟ كما نأكل نحن الحيوان والنبات؟ وسؤال الهوية من البذرة النباتية إلى الولادة الإنسانية والحيوانية، لتبدأ مرآة المواجهة بأحداث مُشوّقة، وسرد يعني بالسيادة والمصير، وكيف سُرق التراث وافتُعِلَتْ الحرب ضد الطبيعة، ومَن يأكل مَن؟ فبعض الأشجار ليست كما تبدو، مع كل الامتنان للجوائز الخضراء.