في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها إخوتنا في فلسطين، من إبادة وتهجير، نعود بذاكرتنا إلى عام 1917م، انطلاقاً من مشهد سياسي نادر ومحزن، حصل في بلاد الشام، أي قبل قرن من اليوم، وبالتحديد في دمشق، حين وصل توماس إدوارد لورنس، الشهير بـ«لورنس العرب»، وزار ضريح صلاح الدين الأيوبي، وكان على ضريحه قلادة نادرة مطلية بالذهب وضعها قبله الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني حين زيارته الشهيرة لدمشق، إلا أن «لورنس العرب» والذي مجدته السينما طويلاً، ومنحته الهيبة لهذه الأسباب، لم يخفِ ثأره لريتشارد قلب الأسد الذي انهزم في مواجهته مع صلاح الدين في معركة حطين عام 1187م، مسترجعاً بيت القدس.
أخذ لورنس القلادة، وبمعنى أدق سرقها، ووضعها في متحف الحرب الإمبراطوري بلندن، والذي تأسس كمتحف في ذات العام، لضم كل ما يوثق الجهد الحربي الإنجليزي، وهو جهد طويل من الأخذ. أمّا إن قلنا إنها مجرد قلادة، فنحن مخطئون، لأن في حقيقتها الرمز الذي وضعه الإمبراطور الألماني تخليداً لذكرى رجل حرر بلاده، وبالمقابل هو الرمز الذي نقله «لورنس العرب» من فوق قبر صلاح الدين إلى لندن، في السنة التي انتصرت فيها القوات البريطانية في الشام، ليرمي مقصده بكل قوة، وهو الانتقام لريتشارد قلب الأسد، بأخذ القلادة، وحين سألوه لماذا أخذتها، قال عبارته الشهيرة:
(لم يعد صلاح الدين بحاجة إليها).
هذه العبارة مكتوبة أسفل القلادة إلى اليوم في المتحف، لتبيان القصد الأكبر للورنس، وهو انتهاء مجد الشرق من خلال قائد وصاحب كاريزما، وصل إلى قبره بسهولة، منتصراً لريتشارد قلب الأسد بعد 700 عام على هزيمته.
لكن في تصوري، فالمكتوب والمحفور فوق القلادة أو الإكليل الذهبي، هو الأبقى:
«من إمبراطور عظيم، إلى إمبراطور عظيم»، أي من فيلهلم الثاني إلى صلاح الدين، فمهما كانت الهزيمة مُرّة، فلن تبقى أبداً.