الحب في أنقى وأجمل حلته، الحب الذي لا شروط فيه وقيود تحول بينه، الحب الذي تمارسه دون وعيٍ منك لا تتكلف في التعبير عنه، ولا حتى الحاجة لإثبات شيء، حب لا تعتريه خيانة أو يعيث به الهجر، يكمن ويقع في عمق القلب، بل هو القلب، في بقعته الخاصة، لا يوفى حقه دائماً، ولكنك تسعى دائماً لأجله، الحب الذي به الشفاء من علل الحياة، وبه تستمد القوة للوقوف أمام الحياة بعزم مجدداً، الحب الذي تؤول إليه عند اجتياح أعاصير اليأس فلا أحكام فيه أو نقد إنما اللطف ممتزجاً بالحنية التي يرضخ القلب معها، حب الأم الذي ليس كمثله بالصدق والوصف الحب الذي لا يقاس ولا يحدد.
أمارس أمومتي منذ 4 أعوام، ويمكنني القول بأنها لم تكن سهلة فقد عشت فيها مشاعر مختلفة، استسلمت فيها ليالي عدة، وأخرى كنت فيها بالقوة التي لا يمكن صدها، ذقت بها الإحساس بالمسؤولية الحقيقية، فهمت فيها كيف لأصابع صغيرة أن تكون أغلى علي مني. أن أؤثر صغيري عليّ، وأن يصبح كل شيء.
لحسن حظي لربما، أنني أصبحت أماً بعمرٍ مناسب، ولحسن حظي مارست أمومتي في وقت أصبح كل شيء فيه سهلاً ومتاحاً، أنا أم لطفلٍ واحد فقط، وقد أبيض شعري من تعب التربية والرعاية، وتوسع قلبي لأضعاف من الحب والرحمة واللطافة والبشاشة.
أمي وأمهاتكم اللاتي ولدن في زمن يختلف كثيراً عن زمننا، ربيننا ورعيننا وكانت أعدادنا كثيرة في بيئة وقتها كانت أصعب، والإمكانيات والمعرفة كانت محدودة، أعمارهن كانت بعمر الزهور، يلدن ويرعين ويربين أطفالاً، يستقبلننا العالم ببساطة لا تعتريها بهرجة، بقلبٍ زاخرٍ بالعطاء والأمان، رغم بساطة الحال والإمكانيات إلا أنهن لم يبدين لنا صعوبة الحال، بل كانت تفوح منهن الطمأنينة، والإيجابية تشق ثغرهن، وتنبض روحهن بالأمل والتفاؤل، 6 أطفالاً على الأقل من الرعاية، الاهتمام والتربية والمتابعة، رغم كل ذلك كانت أيامهن كلها بركة، فهن البركة والطمأنينة على هيئة إنسان.
إلى أمي وأمهاتكم، كبرنا ومارسنا الأمومة، وكل يوم نكبر فيه نفهم أكثر وجيداً حجم تعبكن وجهودكن علينا، كبرنا وفهمنا حجم التنازلات التي قدمت، فهمنا بأن الأمومة عالم آخر، من حزنَ هذا الشرف فهنيئاً لهن، أنتن المدرسة فبكنّ نقتدي ونتعلم، وأنتن الحكمة التي نبصر فيها الطريق، أنتن الأعمدة، فبكنّ نستند فلا أساس يقام دونكن، أنتن الأمان، ففي حضنكن تنتهي الحروب، أنتن الحياة وبكنّ تولد حياة.
كل يومٍ وأنتن ضحكات البيت ونوره، كل يومٍ وأنتن بثغركن تحلو السعادة، كل يوم وعام وأنتن تحتضن العافية والصحة، وتنبض قلوبكن بكل خيرٍ، وأدامكن الله لنا بهجة الدنيا وسرورها، وأطال في أعماركن وحفظكن من كل شر.