تعودنا على ذم خسائرنا وكل هزيمة نتعرض لها، تعودنا على سطحية بعض العقول التي ترى من كل شدة أو عرقلة تصاحب خطواتنا أنها فشل، ولربما عقوبة استحققناها. نرى من كل قصة لم يكتب لها أن تكتمل نهاية ونقطة في آخر السطر، نرى من كل خطة حكم عليها بعدم التنفيذ أو قيد إجراء التحقيق بأنها مصيبة أن الزمن يقف ضدنا، كل هزيمة اعترتنا كانت بالنسبة لنا كالعار وصمنا به.
والنتيجة أنه تتراجع همتنا ونتوقف عن السعي خلف أحلامنا، نهاب العلاقات الجديدة ونتمسك بالثقة تمسكاً شديداً، فيصعب علينا منحها بسهولة.
السلبية التي نرى بها كل هزيمة نصاب بها أعمت عقولنا قبل عيوننا عن النظر للحقيقة الأخرى التي تخبئ خلفها عطايا ومزايا تضاف لرصيد النضج والوعي والتجربة التي تنتج منا أشخاصاً أفضل من ذي قبل.
والواجب أن نحب ذواتنا بهزائمها، بندوبها تلك التي تشهد على نضالنا مع ظروف الحياة ومنعطفاتها، تشهد على صبرنا وقوتنا، تشهد على عدم خضوعنا للاستسلام، الواجب أن نفتخر بكل مرحلة صعبة مررنا بها أو خدشت طرف قلوبنا فكسرته، ثم تعلمنا ترميمه من جديد والوقوف على ناصية الحياة بشجاعة لم يسبق لها مثيل، شجاعة الخوض في الحياة من جديد بقلب محب وسليم، بعقل ينظر لدروس الحياة على أنها فرصة أخرى جديدة تمنح له للتعلم واكتساب مهارات الحياة، فرصة لتتشكل وتصقل شخصيتنا الجديدة بالنسخة الأفضل عنا.
تعلم أن ترى هزيمتك على أنها انتصار لك، فما خلقت الصعاب إلا لتعلمنا وتهذبنا، هزيمتك لم تكن إلا سبباً آخر لك لتتقدم وتعاند الظروف والأشخاص حتى تظهر المحارب المغوار بداخلك، حتى تخرج الحياة فيك من جديد وتحيي الأمل فيك، رتب أولوياتك الجديدة بطريقة أكثر عقلانية وحيادية، لترى الأمور من زاوية أخرى بالطريقة الصحيحة، بإيجابية أكثر.
هزائمك لم تكن سوى انتصاراتك وطريق آخر نحو تحقيق الطموحات والأحلام بروح سوية توازن الأمور وتعقد العزم على بذل جهد أكبر بدلاً من لوم الظروف، هي دافع حتى تسعى لتغير حالك بدلاً من الجلوس مكتوف الأيدي تنبذ حظك.
للحياة طرق غامضة ترينا بها الحقيقة الأخرى عنا ومدى قدرتنا وكم نتملك من خصال غفلنا عنها، للحياة طرق أخرى لا نستلطفها حتى نتعلم ونكبر بعقولنا، لكنها الحقيقية كم هزمتنا صعاب الحياة، لكنها تحولت من صبارة يأس إلى بساتين ورد عطرت حنايا قلوبنا واستطعمنا اللين والرحمة، وبادرنا بالكرم، وأرخينا حبال العند، وروضنا وحش الغضب، فأصبحنا بسمو ندرك حقيقة الحياة فتهون علينا مصائب ونجتاز بعضها، ونحسن اختيار الطريق ونتجنب تفاهات الحياة، فهزائمنا لم تكن خسارة، بل كانت مكسباً عظيماً لخصال عظيمة.