ناهيكم عن التغيرات التي طرأت على حياتنا وما آلت إليه الأمور بسبب التطور السريع الذي وصلنا إليه والاقتحام الكاسح للتكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي وزجها في كل أمور حياتنا، والتي لابد منها ولا غنى عنها ونفرح بما وصلنا إليه بفعل عقولٍ تبهرنا كل يوم. ولكن، العجب والعجيب أنه كيف لقلوبنا أن تتغير وكيف لمشاعرنا أن تتطور ؟ الذي لم أستطع استيعابه وفهمه حتى الآن ما دخل التطور والتكنولوجيا بتغيير قلوبنا ومشاعرنا؟ كيف لمبادئنا وقناعاتنا أن تتغير ؟ فأصبح يسهل على الجميع زج وإقحام التطور في علاقتنا فيقال وبكل سهولة عند اصطدام الواقع بالحقيقة المرة: «الدنيا تطورت».
أصبحت القلوب تثرثر وبإسهاب بمشاعرها ولعب دور قيس وليلى بإتقان ولكن بأكثر من مسرحية وممثل وممثلة، فالرقم واحد أصبح صعباً في علاقتنا أصبح لابد أن يكون مثنى وثلاث ورباع. الاكتفاء أصبح ثقيلاً على قلوب البعض فالتعدد والكثرة هو المطلوب الآن.
وماذا أقول عن الأصدقاء، أصبحت الصداقة منافسة و صراعاً نحو المصالح. أطهر علاقة وضماد لجروحنا أصبحت مبهمة.
أهكذا وصل بنا الحال أن نثرثر من العدم في مشاعرنا، أن نختلق شعوراً من الوهم حتى نرضي رغباتنا أو نشبع فضولنا ؟ أم أن الأوضاع الراهنة أصبحت تتطلب منا التصنع حتى في مشاعرنا ؟ أم أننا نفلح دوماً في إلقاء اللوم على التطور والانفتاح ؟
الحفاظ والتمسك بالصادقين أصبح كالإعجاز. فهم القلة ومن حاز بهم حاز الدنيا بجمالها.
في زمن السرعة، السرعة في بناء العلاقات وهدمها، السرعة في حد القصاص على القلوب والسرعة في فرض الأحكام، الجهاد في أن تكونوا من القلة الصادقة والمتمسكة ،أصبح لزاماً علينا أن نجاهد في بناء علاقات بأسس صالحة وسوية وبأعمدة من المودة والرحمة، على أن لا تبنى على رغبة من المزيد بوجود المزيد أن لا تقام على هدف سد الفراغات وتجارة حقيرة للمصالح، أن لا تعاش على هدف ترميم ما خلفته بقايا السابقين، أن تكون علاقاتنا بالجميع نحو نية حسنة كما في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
يقول الشاعر بهاء الدين زهير في قصيدته:
كُلَّ شَيءٍ رَأَيتُهُ.. حَسَناً أَشتَهيهِ لَك
أضعف الإيمان أن تبني على الأقل علاقاتك هكذا، أن تتمنى ما تراه خيراً وحسناً للآخر، أن تكرمه بصدقك وأمانتك وتتحمل مسؤولية الخطوة، فالقلوب إذا هدمت لا يعاد بناؤها فقط تحمل ذنبها سنوات مديدة. أحسنوا لبعضكم بعضاً بحسن العشرة والاختيار بعيداً عن ثرثرة من العدم.