مهزلة واضحة المعالم لتابع ومتبوع، تشبه واستنساخ لأطراف لا يفقهون حتى نطق جملة سوية مفيدة واحدة، فهم يحفظون، لا يعون ولا يفهمون ما وراء تلك المقولات الشهيرة التي يستنجدون بها، والحكم التي خرجت من ظهر الحياة بتعب التجارب ومواقفها ومعرفة مختزلة بعد خلوة مع النفس جديرة بمقامها، في زمن تعرت به الحقيقة فأصبحت معدومة ومتلاعباً بها، في زمن كثرت به البهرجة وسُخف المظاهر الخداعة وثراء المجاملات، وسيطرة الـ «أنا» في جميع الميادين، فالكل في سباق نحو القمة ليكونوا هم الأفضل، المميز، ليصبحوا هم القدوة في زمن اختل ميزان الرؤية لدى لبعض.

القدوة التي أصبح صيدها في مياه عكرة صعباً جداً، القدوة التي أساء إليها كوكبة من الخلق أساؤوا لأنفسهم فغيروا مجرى الحياة بمفاهيم عقيمة وأسلوب حياة ضجروا عقولنا بها، فعاث الفهم الحقيقي للقدوة في نفوس البعض ومنهم شبابنا، الذي يفتح ذراعيه أمام زوبعة التواصل الاجتماعي فيعانق بنظره وعقله ما هب ودب، فأصبحت القدوة تقاس على عدد المتابعين وبمهارة تلطيخ الوجه وحقن ودس الجمال من تحت الطاولة غصباً، أصبحت القدوة في خطر اعتناق الشباب معتقداً بأنها التحرر والحرية. أصبحت تقاس القدوة على تفاهاتٍ زائلة وهوس شهرة بها تغسل العقول، يدعون الثقافة والعلم في جميع العلوم، فيظهرون النابغة بداخلهم ليصبحوا سيدين المثالية، ويدسون الدين في حواراتهم ليتحلوا بالفطانة المناسبة. ماذا أقول لننصف القدوة الحقيقية من التشويه الذي طالها. 

يقول الله جل في علاه في سورة يونس: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} آية 36، قبل أن تصطاد القدوة الصالحة وتبحث بها في نفوس وشخصيات الآخرين؛ قبل كل ذلك كن أنت القدوة الصالحة لنفسك، واحكم بعقلك كل فعل تروج له هل هو بالصحيح أم الخاطئ بين الحكمة والتأني، وتوقف عن الانجراف نحو تفاهات البعض وما يجرونك إليه، فالسعي وراء القدوة الصالحة، أي أن كل إيماءة منها لها وقع عظيم في نفسك، أي أن أقرئك بعين الأديب لا الفقيه، وتلتمس المتعة لا القدوة والعبرة لا الحجة، وأبحث في سطورك عن تجربة الأيام لا عن منازل الأحكام والظنون وتذوق ما اشتملت عليه من لطيف البيان وأعرض عن لغة القول وزلل اللسان.

انفضوا عن عقولكم غبار الوهم مما يروج له البعض، وانظروا بقلوبكم للمعنى السامي للقدوة، وكفوا أرجوكم عن الإخلال بكفة الميزان بمفاهيم ومعتقدات وعلوم لا تمت للإنسان السليم بصلة، وكفى رواجاً لمن ينافق في فعله عن قوله، وعش بعقلك وقناعاتك التي تستمدها من التجربة، وعمودها الدين الذي هو حق الوعي وفطرتك الإنسانية السليمة.