نرتاح بطبيعتنا البشرية بالاستيعاب، ونتجاسر بالتقدير، نقاوم بالاحتواء، لأننا ببساطة كائنات تواصلية، لذا، استثمارنا في تجويد مهاراتنا التواصلية، ومحافظتنا على قيمة الحوار، برعايتنا للتواصل الداخلي في منظومتنا، استثمار في الجوهر الإنساني، الذي يعتبر حارس الولاء والألفة.

28 حرفاً من الأبجدية، نستطيع بها تكوين وصياغة الملايين من الكلمات والجمل، نصنع وزناً لكلمة نخاطب ونحاور بها عقولاً وضمائر، نتسلل بها إلى القلوب، 28 حرفاً من اللغة العربية، والبلايين من الكلمات، كل كلمة تحتوي على أكثر من معنى، وكل معنى يتيح فتح أبواب مغلقة نحو عقول البشر، وبما تمتلئ نفوسهم.

من حقك الإنساني والاجتماعي على هذه الأرض، أن تتكلم، تصغي ويصغى إليك، تحاور وتتحاور، تجادل وتتجادل بالتي هي أحسن، والتي لك بها علم، من حقك أن يُسمع لك، حتى تُعرف وتُفهم، ميزنا الله واختصنا بنعمة الكلام والتعبير، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} الرحمن: الآيات 1-4.

يتجلى جمال الحوار في مساحات الاختلاف، ومحاولات الإبانة عن المقاصد، حتى نبلغ الأرض المشتركة التي تحتمل مفاهيم مشتبكة، كلاً بمنظوره الذي يوسع نظرة الآخر، فهي عملية تفاعلية بالمقام الأول، أن نصنع كلمات ونوجد حوارات، أن نتحدث دون خجل أو قيد يعوق لفظ الكلمات من عقلنا، أن نعبّر عما يجول في فكرنا من أسئلة، نتدبر بها ذواتنا وعجائب الدهر، ألا يخالط الخوف شروعنا لممارسة حقنا بالحديث.

نحن، أطفالاً كنا أو من الناشئة، شباباً وكهولاً، نتحاور ونتناقش لنصل، لنكون أكثر خفة، لنتعلم مهارة الإصغاء الجيد للأطراف الأخرى، لنتخلص ونتجنب الحصر النفسي، لنمد جسور التواصل مع مجتمعنا، لندرك أخطاءنا، نتحدث ونتحاور، لأننا نُعرف بعقولنا لا بمظهرنا، بنضجنا لا بالماديات.

أمهاتنا وآباؤنا، مجتمعنا والعالم، حوارنا وحديثنا معكم، يسد ثغرات الجهل عندنا، يجعلنا أكثر ثقة، وأكثر غنى بذواتنا، نخفف بحديثنا وحوارنا معكم صراعاتنا الداخلية، ندرك اختلافنا، ومواطن القوة والتميز فينا، حديثنا معكم، يعلمنا متى نتسلح بالصمت، ومتى نعري الحقيقة بالكلام، نقدس لطف الكلمة وأثرها، لا نهاب النقد، ونتقبل الرأي الآخر، بمعنى، لنتحاور كل منا في أفكاره، فجمال اللوحات في تداخل الألوان، لا بتوحيد اللون، أطفالاً كنا أو كباراً، فأولى خطواتنا نحو الحياة والاختلاط بالمجتمع الكبير والمختلف، يبدأ بأول كلمة ننطقها ونتعلمها، وأول حوار نديره ونتقنه معكم، فلا ترسموا الحدود بيننا، فتقلّ كلماتنا، لا تقسو عقولكم بأحكامكم علينا، فيصبح الحل الأمثل، الصمت الذي يأكل الفؤاد، لا تهملوا كلماتنا بالتجاهل، أو الاستماع الباهت، تحدثوا معنا، فالعالم أصبح مخيفاً، والتحديات كثيرة، والأهداف كبيرة، بكم ومنكم هدايتنا ودواؤنا من علل الحياة النفسية، حاورونا لنصل عتبات البداية، بفطنة وحسن المنطق.