متى ما سنحت لك الحياة تجربة الألم والخوض فيه، فإنها غالباً تقدم لك الخبرة والنضج على طبق من ذهب، لن يتم استساغة كلماتي بسهولة، ولن تتقبلها، الذين حظوا بهذا الشرف، وتجرعوا من الألم كاسات، أغدقت عليهم من مدارس الحياة علماً وفهماً، يدركون ما أقول، تجربة لذة الألم، هي للأقوياء، الذين يدعون تماماً أنها الطريق المثلى لفهم ذواتهم، وإصلاح ما فسد من عبث البشرية، فلا طريق يوصلك للمعنى الحقيقي لذاتك وفهمها، إلا وبه مطبات محشوة بالألم، هنالك متعة غريبة في الألم، ستدركها عند الوصول أو النهاية، ستدركها عند البدايات الجديدة والمختلفة، عند الفرص المكتوبة والمقدرة باسمك ومقياسك، نحن لا ننضج، إلا وقد تجرعنا الألم، نحن لا نتغير، إلا وقد آلمتنا توقعاتنا والظروف>
نحن لن نفهم أهمية السقوط وروعة الوقوف، إلا وقد تعثرنا ألماً مراراً وتكراراً، هناك قيمة خفية وجليلة خلف حلاوة الألم، تعطيك دفعة من الإصرار، والكثير من المقاومة، تجربة جلية للتفكر، وطرح الكثير من الأسئلة التي توجب عليك السعي للحصول على أجوبة واضحة ومثمرة حولها، للألم إيجابيات كثيرة، لا يستشعرها إلا الذي فطن الحقائق ما وراء الشدة، به تصبح للأشياء، الأشخاص، والوقت قيمة، تعي جوهر والمعنى الحقيقي للاستمتاع بكل لحظة، للعيش دون قيود الخوف من الغد والمستقبل، للألم هيبة تراها حاضرة بمقل متذوقيه، تتخفى بلمعة أعينهم، ونظراتهم التي أصبحت كالمسح الضوئي، تلتقط الأعين، وتعرفها حق المعرفة، تلك الأعين التي تعيش لحظة الألم طازجة من صلب المواقف، وتبحث عن النجاة.
كلنا في بداية الأمر، لا نتقبل هذا الدرس، ندعو مراراً للخلاص، نبحث عن أقرب مخرج، ولكن تجربة استحقت، تستحق كل لحظة منها، لطالما رددت في مسامعنا العبرة بالخواتيم أو النهايات، والعبرة بتجربة الألم تكمن في نهاية الطريق، ونهاية الألم، كيف ستصقل شخصية وتتشكل، كم من قرارات سوف تتخذ، وكم من قناعات ستتمسك بها، وأخرى تتنازل عنها، سيكبر عقلك أو يصغر، وهل ستصغر الدنيا بعينيك أم تكبر، أبرمت بحق نفسك جريمة شنعاء، أم احتضنتها فخراً وحباً، حتى تدرك من تكون، وتصل للنضج الذي يكافئ قيمتك، وتختلف نظرتك للحياة والأفعال، حتى تدرك أكثر من ذلك، لا بد لك أن تخوض تجربة الألم، السهل لن يتيح لك إدراك أهمية الشقاء، والكسب بجهد ومعركة السعي، السهل حلاوته أيام معدودات، لا يروض الجشع الذي بداخلك، وأما الألم، فهو للعظماء الذين يمتلكون الشجاعة في مواجهة كل صعب.