مضغة تخفق في الحجرة الوسطى من الصدر يلتف حولها أضلاع تحفظ مقامها، مضغة بذاك الحجم كحجم قبضة اليد تضخ الدم في أجسادنا، تضخ الحياة فينا، لها حرمة ومقام لا يحتمل الانتهاك، للقلب حق عليه منا، وقوانين تتبع لصون كرامته، طرقات منهيّ سلوكها حرصاً على سلامته، للقلب قدسية محفوظة، وجب الحفاظ عليها. 

كم تجتاحنا وتطوف حولنا مشاعر مختلفة، بعضها تنقض بذاك القلب كفريسة، وبعضها يتراكم حوله بعاداتنا اليومية الروتينية فيثقله، كثير من الخوف والقليل من الحب، وخليط من الكراهية والحقد، وبضع من الفرح والحماس ينطلق بنا بحياة نحو الحياة، مجموعة متحدة حول هذا القلب الصغير، يكابد بها كل يوم، يخوض حرباً مع الذات، ليظفر ببضع لحظات من الطمأنينة والسلام.

لقد حملناه من العسر كثيراً، بأفكار وليدة منا، ومن حولنا، نجيد انتهاك حقوقه، نسلب راحته، ننسى وكيف لنا أن ننسى أننا به نؤذي أنفسنا ونرهقها، يختلط بأحقادنا فنلوث بياضه، نعيث به فساداً، نزهق الحياة منه. يقول الكاتب جورج شحادة في إحدى أروع مسرحياته حكاية فاسكو: القلب عضو مهم في داخله قنبلة.

ذاك التشبيه البليغ المهيب لذاك العضو بحجم قبضة اليد أن يكون له بذاك الدمار، ولكن، ماذا لو كان انفجار هذه القنبلة على هيئة فراشات ملونة مرحة، وعبق من المسك والعود، ينثر غباراً وردياً سحرياً، يدعو للحب بسخاء فقط للحب لا لغير ذلك؟ 

ذاك القلب لو أننا نعتاد على تربيته على السماح بدلاً من الخصام، على أن يتمنى بالخير يعم الجميع، كما نود أن يعمنا وحدنا، لو أننا نتيح له حق النظر لمجرى الأمور بإيجابية أكثر وبروح رياضية، كما يقال، ماذا لو أننا نبغض الكره والأضغان حقاً، فيلفظه القلب عند حدود مملكته، نشير بسبابتنا نحو حجرته الوسطى نقول: ها هنا لا دعوة إلا للمودة والرحمة.

كلما طال بنا العمر، ومر بنا الزمن رأيت في قلوب البشر تلك الغلظة، لا تعبثوا بقلوبكم أحسنوا سكناها بحسن اختياراتكم، وأحسنوا بظنونكم بخلق الله ليحسنوا نواياكم، وأصلحوا ذات بينكم مهما بدا لكم من الأخطاء، مارسوا حق العيش بسلام في قلوب غيركم، نملك بحمد الله وفضله ديناً إحدى ركائز إيمانه أن «تحابوا»، ديناً يدعو للصفح والإيثار، احفظوا قدسية هذا القلب، ولا تغلفوه بأوهام تعكر صفو الحياة فيه، في قلوبنا خير وحب مهما بدا الشر متمكناً، ابحثوا عن ذاك الخير وتراحموا وتحابوا، اجعلوا لبيوتكم أعمدة تسند ظهر البيت بالحب والعطف، لتألف قلوبكم، ويصلح ذات بينكم.