بعد فطور اليوم هممت للمشي والاختلاء بنفسي، قطفت ثمرة من غصن شجرة في حديقة منزلي ثم فتحتها فإذا بدودة تسبح في بطنها فخال في خاطري أن هذه الثمرة محكمة الغلاف تماماً. 

وهذه الدودة ولدت في باطنها، فهي لا تعرف عالماً إلا في بطن هذه الثمرة فيه تولد وتموت ولا يجاوز علمها غلاف الثمرة.

نحن البشر نعلم أن هذه الثمرة ضئيلة جداً إذا ما قورنت بالشجرة الكبيرة التي تحمل مئات الثمار الأخرى، والشجرة ليست سوى واحدة من ملايين أصناف الأشجار على كوكبنا، والأشجار ليست سوى اسم واحد من ملايين الأسماء للمخلوقات على هذه الأرض، وكوكب الأرض لا يكاد يذكر أمام السماء الواسعة ومليارات مليارات النجوم والكواكب التي تسبح فيها.

كل هذه العوالم الفسيحة التي يدركها الإنسان، لا تعلم عنها صاحبتنا الدودة شيئاً وهي تظن أن الوجود كله ليس سوى بطن الثمرة.

اتسع خيالي أكثر، ماذا لو كانت هناك مخلوقات تنظر إلى الإنسان ومحدودية إدراكه مثلما ينظر الإنسان إلى الدودة الضئيلة ويشفقون على ظن الإنسان أن كوكب الأرض الضئيل هو العالم.

حين ننظر في هذه المقارنة يزول العجب حين نسمع عن عظم خلق الملائكة. وفيم العجب ونحن نرى مخلوقات حجبت في عوالم متضائلة في الصغر، تولد وتموت فيها دون أن يتجاوز علمها حدودها، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. «الزمر 67».

يقول الحسن بن عامر: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب الرسول يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان: التفكر، كل شئ من حولك آية من آيات الله تدعوك للتفكر، تدعوك للتعجب والانبهار في عظمة الخالق، أنت بذاتك آيتك، تفكر بصُنعتك، فلتفكر حلاوة تنعكس على العقل والروح ويكسبك الحكمة والمعرفة.

يقول الله جل جلاله في كتابه: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]. 

عزيزي القارئ دعوة للتفكر في آيات الله في الآفاق والأنفُس، وفي نعمه الظاهرة والباطنة.