في اللقاء الأخير بين الرئيس الأميركي جورج بوش، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في البيت الأبيض، قبل أيام قليلة من العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، حيث جاء ليودع بوش، و«يشكره» على ما فعله لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإحلال السلام، أبلغ بوش عباس، حسب أحد أعضاء الوفد الفلسطيني الذي حضر اللقاء، بالقول: «لا تتوقعوا الشيء الكثير من الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما، فأي رئيس يحتاج إلى سنتين، على الأقل، لوضع أسس الثقة، ليبدأ وإدارته الجهود ـ وربما معيداً كلمة ربما أكثر من مرة ـ للضغط على إسرائيل لإحلال السلام. ومع ذلك أنصحكم بأن تستمروا في عملية المحادثات والمفاوضات».

الرئيس أوباما خيب ظن سلفه بوش، فقد دشن أول يوم من رئاسته بالقول: «ليس لدينا الوقت الكثير لنضيعه» لمعالجة المشكلات، والتصدي للتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة والعالم، ومنها قضية الصراع العربي الإسرائيلي، التي أكد احتلالها أولوية متقدمة عنده، بإعلانه في اليوم الثاني من رئاسته تعيين السناتور السابق جورج ميتشيل مبعوثاً رئاسياً خاصاً لمنطقة الشرق الأوسط.

وزاد من أهميتها وأولويتها عند إدارته، إيفاده ميتشيل، بعد أربعة أيام من تعيينه في المنصب، في الجولة التي يقوم بها حالياً للمنطقة. وقول أوباما عند استقباله له قبل مغادرته إنه يعطي مبعوثه كل القوة والدعم الكامل، وكذلك كل القوة والدعم من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وإنه عندما يتحدث مع من سيلتقيهم من قادة وزعماء، إنما يتحدث «باسمنا». وقال: إنه يأمل أن تكون أول مبادرة دبلوماسية تقوم بها إدارته عبر هذه الجولة «الأولوية» ليس تأكيداً على أولوية وأهمية حل الصراع، وإنما لنوضح «بأننا سنكون مستعدين للاستماع والتعلم، ولمعرفة ما يفكر به مختلف اللاعبين في المنطقة».

لكن السرعة التي ينطلق بها الرئيس أوباما، والأمل الذي ينشد تحقيقه شيء، والواقع والمصاعب على طريق إحلال السلام شيء آخر. وهذا ما يعرفه أوباما والوزيرة كلينتون، وميتشيل من تجاربهم، ومن التقرير النهائي عن جهود السلام الذي قدمته إدارة بوش لإدارة الرئيس الجديد.

في الحديث عن أسباب العراقيل والمصاعب أمام التقدم نحو السلام، تكثر التحليلات وإلقاء المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك، وكثيراً ما يجري تحميل المسؤولية على الطرف الفلسطيني، خصوصاً بعد الانقسام العميق الحاصل في قيادتهم، وانه ليس لدى الفلسطينيين قيادة قوية يمكن التفاوض والحديث معها، إلى آخر مسلسل الأسباب، الذي صنعته إسرائيل، وروجته حتى بات مثل حقائق مسلم بها.

وقليل في واشنطن أولئك الذين يتحدثون عن العراقيل الأساسية والمصاعب نحو السلام، والمتمثلة في جوهر الموقف الإسرائيلي الرافض لمقومات السلام الحقيقي، وهي إنهاء الاحتلال، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وسيادته وحريته واستقلاله، بعدما اعترف، ممثلاً بقيادته، بإسرائيل، وقبل بنسبة 22% من فلسطين التاريخية، وهي الأرض «الموعودة» لقيام الدولة الفلسطينية العتيدة عليها، والتي باتت حلماً مستحيلاً باستمرار النشاط الاستيطاني فيها، والذي يعد العقبة والصعوبة الأولى، التي تحاشى الرئيس أوباما الإشارة إليها بأي شكل من الأشكال في كلمته عند إعلانه تعيين ميتشيل مبعوثاً.

المبعوث ميتشيل، لا يتوقع أن يسمع جديداً من الطرف الفلسطيني والأطراف العربية الأخرى، فالجانب الفلسطيني يقدم ما عنده، ولم يبق لديه شيء يقدمه أكثر مما قدمه. وما تذرع إسرائيل بمطالبها أن تعترف بها حماس، وتنبذ الإرهاب، وتعترف بالاتفاقات السابقة، إلا مطالب تعجيزية، وعملية لكسب الوقت.