عاد المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشيل من جولته الأولى في المنطقة، وقدم للرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون تقريراً عن نتائجها، لتتم مناقشتها، وما يمكن عمله، والإعداد لجولة جديدة لميتشيل قريباً. ثم الإعداد لأول جولة تقوم بها الوزيرة كلينتون، وهكذا يبدأ مسلسل الجولات.

لم يعد ميتشيل من جولته بجديد، سوى أن المستوطنات في الضفة الغربية توسعت وازداد عددها، وهي التي وصفها في ختام مهمته عام 2001 بحثاً عن الحلول للصراع: أنها تشكل أصعب العقبات أمام تحقيق السلام، وتقضي على أية محاولة لبناء الثقة لدى الفلسطينيين بأن إسرائيل جادة في العمل من أجل السلام.

وجد ميتشيل عدد المستوطين في الضفة الغربية وقد ازداد 35 ألف مستوطن، منذ تسلم ايهود أولمرت رئاسة الوزراء قبل ثلاث سنوات، إضافة إلى الـ 285 ألف مستوطن قبل تسلمه المنصب، حسب تقرير نشرته حركة «السلام الآن» الإسرائيلية، رغم كل الوعود الإسرائيلية بأن النشاط الاستيطاني سيتوقف ورغم الكلام الرسمي الأميركي بأن المستوطنات عقبة أمام السلام.

هذا ما يتعلق بالمستوطنات فقط، دون الحديث عن القضايا الجوهرية الأخرى، مثل الحدود واللاجئين والقدس. مهمة ميتشيل، انطلاقاً من جولته الأولى، ستتركز على بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والعمل لتثبيت وقف إطلاق النار الذي لا تعترف به إسرائيل، والبحث عن حلول لكيفية إيصال المساعدات للفلسطينيين، حيث تصر إسرائيل وواشنطن على أنها يجب ألا تعمل عبر حماس. وهذا سيؤدي إلى الدخول في جدل ومتاهات لوقت طويل، تتبدد معه إمكانية قيام الدولة الفلسطينية الافتراضية، خصوصاً وأن أوباما اعترف أن تحقيق هذا ا لهدف غير واقعي الآن. كما ستتركز مهمة ميتشيل والجهد الأميركي عموماً على وقف تهريب السلاح إلى غزة؟!! وتتوسع دائرة السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب.

الملاحظ في جولات المبعوثين، ووزراء الخارجية الأميركيين السابقين، واللاحقين (من منا يتذكر عدد جولات الوزيرة رايس، ومن قبلها الوزراء كولين باول، ومادلين أولبرايت، وووارن كريستوفر؟) الملاحظ أن الجولات أدت في النتيجة إلى نجاح إسرائيل في كسب الوقت، والأهم مسخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، تدريجبياً، وتحويله من صراع ضد الاحتلال والتوسع والاستيطان والعنصرية، إلى موضوعات هامشية ثانوية، مثل تنمية الأراضي الفلسطينية والمساعدات اللازمة للبنية التحتية للدولة الافتراضية والمساعدات الإنسانية في غذاء ودواء للفلسطينيين، وفتح معابر!

بالطبع، سيكثر الحديث في واشنطن عن تركيز الإدارة الأميركية جهودها لبلورة مبادرة أميركية جديدة حسب رؤيتها وعن «صراعها وخلافها» المقبل مع رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتانياهو وحكومته، حيث الاستطلاعات تشير إلى ترجيح فوزه في الانتخابات الاثنين المقبل. وهو الذي لا يخفي بأنه يريد وقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وتوسيع النشاط الاستيطاني.

مسلسل الجولات والزيارات سيتواصل، للإيحاء بأن عملية سلام جارية، خوفاً من الفراغ وما يترتب عليه ولن يكون أمل في تحقيق تقدم نحو السلام، إذا لم تمارس إدارة أوباما دور الوسيط النزيه حقاً، وإذا لم تمارس نفوذها الفعال على إسرائيل لتنفذ المطلوب منها. خصوصاً وأن الفلسطينيين قدموا كل ما لديهم، كما طرحت الدول العربية مبادرة السلام العربية منذ سبع سنوات.

لكن هناك العامل الذي تراهن عليه الحكومات الإسرائيلية وتغذيه بوسائل عديدة وهو الانقسام الحاصل في القيادة الفلسطينية الذي يخدم إسرائيل وأهدافها أكثر من أي شيء آخر.