«الإمبراطورية المنقسمة لزمن طويل، لا بد أن تتحد والإمبراطورية المتحدة لزمن طويل لا بد أن تنقسم» بهذه الجملة التي باتت مثلا يستشهد به عبر التاريخ، يستهل الروائي الصيني لوو غانزونغ روايته «الممالك الثلاث»، التي تعتبر واحدة من أعظم أربع روايات في الأدب الكلاسيكي الصيني.
وتغطي أحداث الرواية مئة وثلاثة عشر عاما من الزمن ابتداء من عام 280 قبل الميلاد وانتهاء باتحاد امبراطورية الصين عام 178 قبل الميلاد. وبالرجوع إلى التاريخ فإن هذا الأمر لا ينطبق على حضارة الصين فقط بل على جميع الحضارات منذ الأزل وحتى يومنا هذا.
وقبل تناول هذه الرواية التي تعتبر بمثابة الإلياذة الصينية، يجدر التنوية بأن رصد تاريخ هذا العمل يعتبر بمثابة قصة بحد ذاته. كانت البداية عام 429 قبل الميلاد حينما دوّن شين شو تاريخ تلك المرحلة مع السيرة الذاتية لجميع الحكام والضباط في ثلاثة مجلدات.
وبعد مضي تسعين عاما على وفاة شو، أضاف المؤرخ باي سونغزي إلى العمل الأصل العديد من الملاحظات وذلك استنادا على ما يزيد على 100 مصدر، وذلك بتصريح من الإمبراطور ليو سونغ. ويعتبر سونغزي أول من أضاف أدب الخيال إلى التاريخ.
وبعد مرور 1200 عام، استخدم لوو غوانزونغ هذه المادة لكتابة روايته، حيث أضاف لها الشعر والقيم والعبر والشريعة الإنسانية. وهكذا بنى عالم الأدب على أرضية التاريخ.
عاش الأديب غوانزونغ في نهاية عهد يان وبداية عهد مينغ، ويقال انه كتب عددا من الأعمال الأدبية تحت الاسم المستعار شي نيان لكون موضوعاتها تتعارض مع سياسة الإمبراطورية. ومن أهم أعماله «الخارجون عن القانون» وتضم مئة فصل. أما روايته الأخرى «ينغياوزوان» فأبطالها من الأشباح وتضم 20 فصلا ومستمدة من قصة تمرد حدثت في نهاية عهد نورثرن سونغ وبطلها المتمرد زو وين.
تمنح رواية «الممالك الثلاث» القارئ الفرصة لاكتشاف التنوع الواسع للحضارة الصينية التي تضم البوذية والطاوية والكونفوشيوسية، وذلك من خلال وصف قوة ثلاثة حكام.
وأهم ما يتميز به هذا العمل هو الحبكة المعقدة للقصص والشخصيات. ويمكن لمجموعة القصص القصيرة التي تضمها الرواية أن تأخذ كل قصة منها مداها لتتحول إلى رواية بحد ذاتها مثل، «معركة الصخور الحمراء» ومعاملة غوان يو من قبل هيوا تاو».
تبدأ الأحداث، حينما يطلب الإمبراطور المساعدة تحسبا من تمرد ثلاث ولايات، وتجاوبا مع ندائه يأتي ثلاثة شبان هم، الارستقراطي ليو كسواندي، واللاجئ السياسي لورد غوان والجزار زانغ في. يقسم الثلاثة فيما بينهم على العهد والأخوة والولاء لبلدهم.
ويحرك هذا القسم الأحداث التي ينتج عنها سقوط عهد إمبراطورية هان، ومن خلالها يتناول الكاتب أيضا الإخلاص والخيانة، النصر والهزيمة التي تظهر أقصى ما في الفضيلة وأدنى ما في الانحطاط في حياة تلك المرحلة.
وتصف «الممالك الثلاث» سقوط الإمبراطورية هان تحت حكم الإمبراطور لينغ بسبب ثورة الوشاحات الصفر، وانقسامها إلى ثلاث ممالك شو، ووي، ووو، ومن ثم اتحادها جميعا في عهد جين.
تغطي الفصول الثمانين الأولى من العمل، نهاية عهد حكم الإمبراطور هان كسيان (220 - 189) مع سرد تفصيلي للكوارث التي تتسبب بانهيار عهد هان الذي استمر لمدة 400 عام. حيث تهيمن عائلة كاو على البلاط، وينحي كاو باي الامبراطور كسيان.
في حين تغطي الفصول الأربعين الأخيرة انقسام البلد إلى ثلاث ممالك أو ثلاث إمبراطوريات، وتدعى هذه المرحلة في تاريخ الصين سانغو، وتنتهي حينما تنجح عائلة جين بتوحيد الإمبراطورية مجددا، وذلك بقيادة سيما يان الذي أسس لعهد الإمبراطورية الجديد وليكون إمبراطورها الأول.
ومن أبرز الشخصيات في العمل التي تمثل الإخلاص والحكمة والدهاء والحنكة في المناورات العسكرية هي شخصية زوغي ليانغ. وتظهر شخصيته حينما يطلب القائد ليو الذي كان يعيش في المنفى بعد فشله في محاصرة الحاكم كاو كاو. وبعد رفض ليانغ مقابلة القائد في ثلاث زيارات يوافق أخيرا أن يكون رئيس مستشاريه وذلك لما لمسه من إصرار الأخير وولائه لبلده وبمساعدة الأخير استطاع القائد السيطرة على العديد من الولايات وهزيمة كاو كاو.
وحينما كان القائد ليو على فراش الموت أوصى رئيس مستشاريه باستلام الحكم من بعده لكن الأخير رفض العرض وأصر على مساندة ابن القائد الضعيف الشخصية ليكون الحاكم وليستمر في دوره السابق.
وبحنكة ليانغ تمكن الابن من إحراز العديد من الانتصارات التي اعتمدت على المناورة والذكاء، وعلى الرغم من مرضه المستمر لم يتوان عن التخطيط والهجوم، وفي المعركة الأخيرة وحينما شعر بقرب أجله ولكسب المزيد من الوقت للانتصار على أعدائه في المعركة طلب بناء تمثال له وضعه في ساحة المعركة ليوحي باستمرارية وجوده وقتاله، مما ساهم في رفع معنويات جيشه ودحر العدو.
أما الخيانة والغدر فتتجلى، حينما عرض لورد غوان على القائد ليو بيي الزواج من أخته في مجلس زو يو. وكانت المؤامرة أن يتم اجتذابه إلى المجلس ومن ثم اغتياله. إلا أن زوجة والد غوان أحبت القائد وصفاته وأخلاقه وأمرت بإفشال المؤامرة. وتمكن القائد لو بمساعدة رئيس مستشاريه من الهرب من الخطر بصحبة زوجته الجديدة.
ومن العبارات المستخدمة في الرواية التي باتت أمثالا شائعة يكررها الشعب الصيني حتى يومنا هذا، «الأزواج مثل الثياب، إنما الاخوة كأعضاء الجسد» وهذا يعني أنه يمكن رتق الفشل في الزواج، ولكن انهيار الصداقة لا يمكن مطلقا علاجها أو استبدالها.
ومن الأمثال الأخرى، «يمكن لثلاثة خياطين تفوح رائحتهم من التغلب على زوغي ليانغ» وهذا يعني أن ثلاثة أشخاص غير أكفاء يمكنهم إذا اجتمعوا من التغلب دائما على الشخص الكفء.
أما المثل الأخير الشائع في جميع ثقافات الشعوب، «تحدث عن كاو كاو وستجده عند بوابتك» وهذا يعني تحدث عن الشيطان وستجده في حضرتك.