الأندية الخاصة الاستمرارية تحكمها الأموال والاستثمار

منذ استحداث دوري الدرجتين الثانية والثالثة في الكرة الإماراتية، حققت المسابقتان نجاحاً كبيراً في زيادة قاعدة الأندية الممارسة لكرة القدم، وأتاحت الفرصة لمزيد من الاستثمار الرياضي، ودخول مستثمرين جدد، وإنشاء أندية كرة قدم خاصة، بهدف الاستثمار وتحقيق الربح المادي من جانب، والمساهمة في تطوير اللاعبين وكرة القدم الإماراتية بصفة عامة، من جانب آخر.

وتمكنت أندية استثمارية خاصة خلال السنوات الأخيرة، منذ بداية دوري الدرجة الثانية في موسم 2019-2020، وبعدها بعامين دوري الدرجة الثالثة في موسم 2021-2022، من الدخول بقوة كمنافسين.

وشهدت صعود أندية إلى دوري الدرجة الأولى، إلا أن الوضع اختلف بعض الشيء، في ظل الشروط والمعايير في لائحة دوري الأولى، والتي تتطلب ميزانيات مالية أكبر، ما أدى إلى وجود انسحابات، آخرها نادي فليتوود يونايتد، الذي ألغيت نتائجه بعد انسحابه من مباراتين، نتيجة عدم قدرته على الاستمرار بسبب الأعباء المالية.

وبدأ نادي فليتوود يونايتد، المنسحب من دوري الدرجة الأولى، نشاطه بميزانية بلغت 25 مليون درهم، مع بداية دخوله دوري الدرجة الثالثة، وسرعان ما صعد إلى الثانية، وتوج الموسم الماضي بدرع الدرجة الثانية، وصعد للأولى، وهو كان مملوكاً لمستثمر بريطاني.

ولكن بعد الصعود باع النادي بمبلغ مليون و200 ألف درهم، نظراً لاختلاف الشروط ما بين الدرجة الأولى والدرجتين الثانية والثالثة، والتعاقد مع لاعبين مواطنين، إلى أن وصل الحال لعدم القدرة على دفع الرواتب، بعدما وقّع معهم عقود محترفين، وتم تسجيلهم كلاعبين هواة.

وخصص اتحاد الكرة دعماً لأندية دوري الدرجة الأولى منذ بداية الموسم الحالي، عبر برنامج الامتياز الرياضي، وتوزع بحسب الترتيب مع نهاية الموسم، والالتزام بمعايير تراخيص الاتحاد الآسيوي.

ولكن رغم هذه النجاحات، يطرح تساؤل حول ميزانيات الأندية الخاصة، سواء في دوري الدرجة الأولى، أو الدرجتين الثانية والثالثة، وهل تحتاج إلى ضوابط أو حد أدنى، من أجل تحقيق مبدأ الاستمرارية، لضمان مواصلة النجاح؟

أم تظل تخضع لقدرات المستثمرين المالية، وحجم الأموال التي يضخونها، وذلك على الرغم من التسهيلات المقدمة من اتحاد الكرة، ضمن رؤيته لزيادة عدد الفرق واللاعبين الممارسين للعبة، ومن الجهات الرياضية المعنية بالدولة لجذب المزيد من الاستثمارات الداخلية والخارجية في أندية كرة القدم.

بداية صعبة

وتختلف ميزانية نادٍ خاص بحسب الدرجة، سواء الأولى أو الثانية أو الثالثة، وكنادٍ منافس عن غيره، وفقاً لملاك ومستثمرين في أندية خاصة، حيث تتراوح ما بين 300 إلى 400 ألف درهم كحد أدنى في الدرجتين الثانية والثالثة، وصولاً إلى مليون درهم، وما بين 2 مليون إلى نحو 30 أو 40 مليون درهم في دوري الدرجة الأولى.

وقال سلطان حارب الفلاحي رئيس مجلس إدارة نادي سيتي، أحد أندية الدرجة الثانية الإماراتية، إن البدايات كانت صعبة للغاية، باعتبار نادي سيتي من أوائل الأندية الخاصة التي تم إنشاؤها رسمياً في عام 2016، وحققنا نجاحات جيدة، رغم الصعوبات المالية، ولكن بناء نادي كرة قدم منافس، يحتاج إلى وقت واستثمارات طويلة.

ولتسريع تطورها، يجب الأخذ في الاعتبار عدة أمور، أهمها وجود مرافق مملوكة للنادي، من أجل تحقيق إيرادات وأرباح في ما بعد، تجعله قادراً على الاستمرار، حيث في الوضع الحالي، يتم اللجوء إلى تأجير الملاعب، ولا توجد عوائد سوى في حالة الاعتماد على أكاديميات خاصة يمتلكها المستثمر للصرف على فريق الكرة المشارك في الدوري.

وأضاف: «الصعوبات ليست في الاستثمار، وإنما تثبيت أقدام هذه الأندية على الأرض، من أجل الاستمرار، وعدم خروج المستثمرين من المشهد في حالة عدم وجود إيرادات أو أموال كافية للصرف على فرق كرة القدم، وهناك منافسة كبيرة في مجال استثمار الأندية، وتحديداً في الأكاديميات الخاصة، التي تعتمد عليها كمصدر رئيس للإيرادات».

وطالب الفلاحي بضرورة وجود تسهيلات أكبر، في ما يتعلق بمنح المستثمرين فرصة إنشاء ملاعب وكيانات خاصة لهم، ما يتيح لهم الفرصة لإدارة هذا المرفق بشكل استثماري، يصب في النهاية في صالح كرة القدم الإماراتية.

مشيراً إلى أنه مستمر حباً في كرة القدم، في ظل عدم وجود عوائد مجزية، لافتاً إلى أن مصروفات الفريق الأول المشارك في دوري الدرجة الأولى، على سبيل المثال، قد تصل إلى 4 ملايين درهم سنوياً، وأندية أخرى في درجات أدنى تصرف ما بين 500 إلى 850 ألف درهم سنوياً، شاملة رواتب اللاعبين والأجهزة الفنية وإيجار ملاعب المباريات وملاعب التدريبات.

هدف

أكد محمد قاسم لاعب شباب الأهلي والمنتخب الوطني السابق، مدير فريق يونايتد إف سي، الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى، أن يونايتد يسير بخطى ثابتة، وعلى الطريق الصحيح، كونه نادياً يعمل بفكر وعقلية استثمارية قائمة على نظام احترافي.

مشيراً إلى أن يونايتد نجح في أول موسم له في دوري الدرجة الأولى، الحلول في المركز الخامس، وينافس في الموسم الحالي على الصدارة.

ويعد نادي يونايتد أحد أندية مجموعة LF group، المملوكة لأحد المستثمرين من خارج الدولة، وتضم المجموعة عدة أندية في أوروبا، حيث تملك ناديين في لاتفيا، وناديين في روسيا، ونادياً في قبرص، ويقيم استثماراته في مدينة دبي الرياضية.

حيث يخوض مبارياته على ملاعب المدينة، إضافة إلى مرافق المدينة من مضمار للجري وملاعب للبادل تنس وأكاديميات لكرة القدم تابعة له، منها أكاديمية لا ليغا الإسبانية، ما يسهم في تغطية نفقات فرق كرة القدم بالنادي، وتحقيق أرباح.

وقال إن نادي يونايتد دعم صفوفه بمجموعة جيدة من اللاعبين المواطنين والأجانب، في مقدمهم البرتغالي أدريان سيلفا لاعب الوحدة السابق، وكوينسي موريس لاعب المنتخب الهولندي وسيسكا موسكو السابق.

إضافة إلى لاعبين مواطنين، مثل فارس جمعة وأحمد راشد وغيرهم، والنادي يضع الصعود إلى دوري المحترفين هدفاً له، لما يملكه من إمكانات، سواء مادية أو على مستوى اللاعبين والأجهزة الفنية.

وأضاف أن النادي يأتي في مصاف أندية المقدمة في دوري الدرجة الأولى، وميزانيته تضاهي هذه الأندية العريقة، مثل دبا الفجيرة والظفرة وحتا، ويأتي في نفس المكانة.

وتابع: «نهدف إلى أن نكون أول نادٍ استثماري خاص يصعد إلى دوري المحترفين الإماراتي، ونثق في قدرتنا على تحقيق ذلك، خصوصاً أن النادي لديه شراكات مع كبرى المؤسسات والرعاة.

بدوره، أكد عبد العظيم شعبان أمين السر بنادي يونايتد، أن النادي يملك فريق كشافة من ألمانيا وبريطانيا، لاكتشاف المواهب، يسافرون إلى دول أفريقية عدة، ويستقطبون نحو 30 لاعباً شهرياً لاختبارهم، ومن يثبت جدارته، يتم التعاقد معه وتسويقه لأندية في الإمارات وأندية في أوروبا.

وهو أحد مصادر الدخل الاستثمارية المهمة في نادي يونايتد. لافتاً إلى أن عملية الاستثمار في اللاعبين إذا تمت وفق فكر احترافي سليم، قد تدر ما يقرب من 30 إلى 40 مليون درهم سنوياً.

وأشار إلى أن العديد من الأندية تعتمد في الصرف على الأكاديميات الخاصة التي تمتلكها، وأندية أخرى مصدر تمويلها الأساسي يقوم على مستثمر خارجي، وفي حال توقف عن ضخ الأموال، يجد النادي صعوبة في الاستمرار، مثلما حدث مع فليتوود يونايتد في الدرجة الأولى.

إدارة الأموال

كشف محمد بغدادي رئيس نادي رويال، الذي يلعب في دوري الدرجة الثانية، أن فريقه استطاع التتويج بدوري الدرجة الثالثة في الموسم قبل الماضي، بميزانية تقدر بـ 600 ألف درهم، تم صرفها على الفريق طوال الموسم، وانتهت بالصعود إلى الدرجة الثانية، مؤكداً أن الأمر يتعلق بكيفية إدارة الأموال، والتعامل بفكر استثماري قائم على رؤية واضحة، وهدف من إنشاء هذا النادي الخاص.

وقال: «نجحنا في الحصول على لقب دوري «الثالثة»، رغم حجم المصروفات الأقل، مقارنة بأندية أخرى، حيث صرف وصيف تلك النسخة نحو 6.5 ملايين درهم.

بينما صرفنا 600 ألف درهم فقط، غير أن النادي المنافس لم يتكلف إيجار ملاعب أو ملاعب تدريب، لأنه تابع لأحد أندية دوري المحترفين، ويتدرب على ملاعب أكاديمية النادي، ونمتلك فريقاً بمتوسط أعمار 19 سنة، لكي نستطيع تسويق العناصر البارزة داخل السوق الإماراتي وخارجه».

وقال: «بالتأكيد وجود درجات ثانية وثالثة مع دوري الدرجة الأولى إيجابي للكرة الإماراتية، وللتوسع في عدد الأندية والممارسين، ولجذب المزيد من المستثمرين لدخول المجال الرياضي.

ولكن الأمر يعتمد على عوامل عدة، أهمها حجم الأموال التي يستثمرها مالك النادي، وكيفية إدارتها، وما إيراداته، ومعروف أن إيرادات كرة القدم تتركز في بيع اللاعبين، وتذاكر المباريات، والرعاة والبث التليفزيوني، وهي معطيات غير موجودة بدوريات الهواة، باستثناء بيع اللاعبين، والذي يحدث بنسبة قليلة».

وأضاف: «هناك إيجابيات وسلبيات، وأبرز الإيجابيات، أن اتحاد الكرة منفتح جداً على التجربة، وعلى زيادة عدد الأندية الاستثمارية في دوريات الهواة، كما أن مدينة دبي مدينة جاذبة للاستثمارات.

وهي نقطة محورية، وأصبحت دبي محطة كذلك للاعبين للانتقال إلى أوروبا، خاصة من اللاعبين الأفارقة، إلى جانب أن دبي مدينة تجتذب المشاهير للعيش فيها، والعديد من أساطير كرة القدم والمدربين موجودون هنا في الإمارات، ويقيمون بها، وبالتالي، لديهم الرغبة للعمل والاستثمار».

وتابع: «أما بالنسبة للسلبيات، فهي بعد الأرقام التي نجد فيها صعوبة، مثل رواتب اللاعبين والمدربين وإيجار الملاعب والإسعاف، بخلاف رسوم العقوبات بلائحة اتحاد الكرة.

فعلى سبيل المثال، عقوبة الإنذار بـ 1500 درهم، وعندما حصل الفريق على 6 بطاقات صفراء بقيمة 9000 درهم، هذا المبلغ يكفي لتغطية نفقات الأكل بالنسبة للاعبي الفريق لمدة شهر كامل، إضافة إلى رسوم الحكام، رغم أن دوري الدرجتين الثانية والثالثة يسهم في تطوير الحكام، ويمنح اتحاد الكرة الفرصة لمشاركة عدد كبير من الحكام ومنسقي ومديري المباريات، الذين يسعى لصقلهم فنياً وإدارياً».

وأشار إلى أن وضع حد أدنى لمصروفات أو ميزانية نادٍ خاص أمر من الصعب تطبيقه، لأنه قائم على رؤية كل نادٍ، وهناك صعوبة في تطبيقه من جانب اتحاد الكرة.

وطالب بغدادي بفتح المجال أمام المستثمرين للحصول على فرصة إنشاء كيانات وملاعب ومرافق رياضية بنظام حق الانتفاع، على سبيل المثال، وذلك من أجل استثمارها، وتحقيق عوائد تسهم في تعزيز تطور صناعة كرة القدم في الإمارات، وتحقيق عوائد تعين الأندية على الاستمرارية.

مشيراً إلى أن دبي تمتلك مرافق ومنشآت رياضية على أعلى مستوى، وزيادتها تساعد كذلك في تعزيز موقعها كمدينة جاذبة للأندية الأوروبية، التي أصبحت تحط الرحال في «دانة الدنيا» خلال فصل الشتاء، وتوقف الدوريات الأوروبية، لإقامة معسكراتها ومباريات ودية.
كما طالب بتخفيف الأعباء على أندية الدرجتين الثانية والثالثة، في ما يتعلق بالعقوبات والغرامات المدرجة في اللائحة، وتقليل قيمة الغرامات، تيسيراً على الأندية.