تنطلق الليلة الدورة الخامسة والستين لأحد أعرق مهرجانات سينما العالم، "برلين السينمائي الدولي"، وسط اعلان أنها ستكون دورة "سينما النساء" التي تعرض افلاما عن كفاح المرأة في ظروف صعبة، سواء كانت ظروفا سياسية أو اجتماعية أو مناخية، ووسط مشادات وحساسيات سياسية لا تنجو منها جبهات كوريا الشمالية أو إيران.
ومع أجواء "المعارك"، والبيانات والبيانات المضادة التي اشتعلت عشية انطلاق المهرجان بين سفارة كوريا الشمالية في برلين من جهة، وبين إدارة المهرجان من جهة أخرى، على خلفية "سوء تفاهم" حول عرض الفيلم الأميركية "المقابلة" (ذا انترفيو) المعادي لكوريا الشمالية (وهو نفاه المهرجان لاحقا).. ومع اخبار شبه مؤكدة عن عدم مشاركة المخرج الايراني المعارض سياسيا جعفر بناهي شخصيا هذه السنة، على الرغم من عرض فيلمه الشائك "تاكسي" ما فتح باب الأقاويل حول مدى رضوخ او تخوف "صديق المهرجان المدلل" بناهي لضغوطات من بلاده.. ومع البريق الذي يشع من عينيّ و من البشرة الرخامية البيضاء لنيكول كيدمان الآتية مع فيلمها التاريخي "الاستشراقي" (ربما) "ملكة الصحراء"، واشعاعات نجوم آخرين مثل كيت بلانشيت وكريستيان بيل وريتشارد مادين وستيلان سكارجاد وهيلينا بونهام كارتر، وداكوتا جونسون وجيمى دورنان وتشارلتون رامبلينج، وناتالى بورتمان وتيرانس ماليك وغيرهم كثر.. مع ذلك كله، فإن ما يقارب 400 فيلما، من كافة دول العالم، سوف يتم عرضها في المهرجان، من بينها 23 فيلما في المسابقة الرسمية.
الجبهة الكورية
في الجدل السياسي، هاجمت حكومة كوريا الشمالية في وقت سابق المهرجان، ووصفته بأنه تحول الى منصة دعائية تنال من شرف وكبرياء الأمة الشمال كورية، عبر عزمه عرض الفيلم الأميركي "ذا انترفيو" المعادي لنظام بلادها، وهو، بحسب بيان السفارة في برلين "يحرّض على الارهاب، ما يناقض الرسالة التي يعبر عنها المهرجان" في دعمه لرسائل السلام واحترام الشعوب والثقافات.
هذا البيان استدعى ردا مباشرا من إدارة "البرلينالي" وكانت المفاجأة بنفي المهرجان نيته عرض هذا الفيلم، مع التأكيد أنه سيعرض فعلا اليوم في برلين، ولكن ليس ضمن برمجة المهرجان، بل في الصالات التجارية.
وقد أثار توقيت شركة "سوني" لاطلاق "ذا انترفيو" في الخامس من فبراير في التوقيت ذاته الذي تدق فيه ضربات بداية الدورة الخامسة والستين لغطا حول ما اذا كان هذا الالتباس الذي حصل مقصودا من الاساس، وما اذا كان الهدف هو الافادة من الآلة الدعائية العالمية المتواجدة بحكم المهرجان، لمزيد من ترويج هذا الفيلم الذي تعتبره كوريا الشمالية "تهديدا قوميا لها".
الجبهة الايرانية
منذ العام 2001، حصل انقلاب جذري في تعاطي "برلين السينمائي" مع السينما الايرانية، حدث هذا بالتزامن (أو بسبب) قدوم رئيس جديد "متحمس جدا للسينما الفارسية" وهو ديتير كوسليك.
وعلى مدى أكثر من عقد ونصف، أدت حماسة كوسليك الى تعرف الجمهور الاوروبي والعالمي الذي يقصد برلين وقت المهرجان على أرقى انتاجات السينما الايرانية المعروفة، عامة، بعمق معالجتها للقضايا السياسية والاجتماعية التي تعصف بايران منذ ازدياد قبضة السلطة الدينية والعداء المتزايد بين سلطاتها وبين السياسات الخارجية للدول الغربية الكبرى.
وقد كرم على منصة "البرلينالي" مخرجون كانوا في الوقت الذي يصفق لاسمهم الجمهور الاوروبي والعالمي في صالات "البرلينالي بالاس".. كانوا حبيسي مناطق "اقامتهم الجبرية" في بلادهم، بل أن دورات كاملة من المهرجان خلال السنوات الست الماضية قد تم افتتاحها بخطابات مناوئة للضغوطات التي تفرضها السلطات الايرانية على المبدعين ومن بينهم صناع الافلام.
وخلال هذه الفترة لمع اسم المخرج الايراني المعارض جعفر بناهي، الممنوع رسميا من صناعة الافلام في بلاده، الا أنه تدبر، على الاقل منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم، طرقه من أجل صناعة السينما النقدية وإن.. سرا.
وهكذا بعد محاولتين، جاءت المحاولة الثالثة هذا العام مع فيلم "تاكسي"، حيث تجول سيارة اجرى الشوارع الايرانية، ويتابع المشاهدون ركابا يصعدون وآخرون يترجلون، ودوما تدور النقاشات والحكايات في هذه المركبة التي يقودها سائق أجرة خبير.. هو بناهي نفسه.
لكن "البيان" علمت أنه، حتى كتابة هذه السطور، لم يتأكد حضور المخرج هذه السنة الى برلين، والأرجح أنه لن يحضر. والجدير ذكره أن اربع افلام ايرانية تضمها برمجة المهرجان لهذا العام.
بينوش.. دائما
من جهة اخرى، تصدرت صور النجمة الفرنسية جولييت بينوش ملصقات "حبة العنب" الأولى في عنقود أفلام المهرجان، بفيلم الافتتاح الذي يعرض الليلة "لا أحد يريد الليلة"، وتدور أحداثه عام 1909 في منطقة جرينلاند المتجمدة، ويتحدث عن قصة صراع بين امرأتين على قلب رجل، في توليفة ضخت فيها المخرجة الاسبانية إيزابيل كواكسيت أقصى المشاعر الدافئة والمعقدة لتيمة "ثالوث العشق" وفي أقصى مناطق الأرض برودة. وقد تم تصويره في شتاء بلغاريا وهو مبني على قصة حقيقية.
وتعتبر جولييت بينوش من الوجوه المألوفة لدى المهرجان، وقد نالت تعليقات كثيرة من صحافة بلادها العام الماضي بسبب "خفتها" في التصرف امام عدسات الكاميرات، وقيامها بالرقص وتنفيذ حركات تهريجية، الأمر الذي جعل البعض يحتفي بتواضعها وايجابية روحها مقارنة مع "الجمود" الذي ابدته مواطنتاها ايزابيل هوبارد وكاترين دونوف، أما البعض الآخر فقد انتقدها معتبرا أن حركاتها أقرب الى "التصرفات الأميركية" للنجوم، بعيدا عن المدرسة الأوروبية الكلاسيكية.
لكن تاريخها مع "البرلينالي" يعود الى أكثر من عقدين من الزمان، حين حصلت في العام 1993 على جائزة تقدير، بينما حصل فيلمها "المريض الانجليزي" على الدب الفضي في عام 1997، وتتابعت مشاركاتها في السنوات التي تلت مع أفلام مثل "في بلادي" الذي يتعرض لمسألة الفصل العنصري في جنوب افريقيا للمخرج جون بورمان، وقصة الحب الرومانسية "شوكولا" والدراما النفسية "كاميل كلوديل 1915".
ومهما يدور من تعليقات، فإن بينوش تبقى "سيدة السينما الفرنسية" المعاصرة، وافلامها تفوقت في ايرادات التذاكر على كثر من نجمات فرنسا من مجايليها، مثل اودريه تاتو (أن تكون ايميلي بولان، وكوكو شانيل)، التي تشارك في لجنة التحكيم لهذا العام.
التحديات
ويحصد المهرجان هذا العام نجاحه في بعض الاستثمارات التي اعتبرت "مخاطرة" حين بدأ بتطبيقها العام الماضي ومنها زيادة رسم بطاقة الاعتماد من مائة الى مائة وعشرين يورو، ويقول مسؤولو المهرجان أن هذه الزيادة كانت حتمية من أجل تغطية التكاليف المتزايدة التي تصرف على اعادة تجهيز الصالات والشاشات بأحدث تقنيات "الديجتال" والتي كلفت خلال السنوات التسعة الماضية ما يقارب خمسة ملايين يورو.
أما التحدي الثاني فكان تمديد رقعة المهرجان أكثر الى الجزء الغربي من المدينة مع اعادة افتتاج "زوبالاست" العام الماضي لاول مرة بعد ضخ أموال طائلة في اعادة تجهيز هذا المكان.
ومنذ انهيار جدار برلين في العام 1989، وتوحيد شطري المدينة، الا أن حالة من الانقسام غير المعلن لا تزال سائدة وان بطريقة "العزل البارد"، الا أن الكثير من الجهود التي تقوم بها الادارات المحلية والسلطة الفيدرالية تصب في هدف تذويب هذه الحواجز، وتلعب منصات ثقافية مثل المهرجان الدور ذاته.