من النادر أن يتذكر أحدنا الاطفال الذين عاشوا في روسيا قبل سنوات قليلة من انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشمولية التربوية والاجتماعية التي ارتبطت به. اولئك الذين كانت أعمارهم في العام 1987 اربع سنوات، اقتربوا من الثلاثين اليوم، ومن بينهم ظهر فنانون ومخرجون ارادوا أيضا أن يسجلوا شهادتهم عن تلك المرحلة.
ناتاليا كودرياشوفا هي واحدة من ذلك الجيل، وعملها السينمائي الروائي "القادة الابطال" يتناول تأثير النظام التربوي الشمولي على الأطفال في روسيا في نهاية الثمانينات، على شخصياتهم وتكويناتهم السيكولوجية والفكرية، حين أصبحوا شبابا، من خلال عرضها قصة ثلاثة أصدقاء منذ الطفولة هم: اندريه وكاتيا واولغا، كانوا في طفولتهم يحملون بأن تربط حول أعناقهم قماشة حمراء، تؤكد أنهم أصبحوا "قادة أبطال" يستطيعون خدمة أفكار لينين وبلادهم. وفي غرف تبديل الملابس، كان الصغار يتحدثون عن "الجواسيس" الذين يستهدفون "اطفال الاتحاد السوفياتي" بالخطف والقتل، فيما معلموهم يمارسون قسوة شديدة عليهم داخل الصفوف، بطالبات قاسية، تخلو من التعاطف، في مدرسة تبدو وكأنها معسكر تدريب جنود.
في احدى المشاهد القاسية تطلب المدرسة (لسبب ما!) من التلاميذ أن يجمع كل واحد منهم شيئا من فشلات معدته في علبة عيدان كبريت، فيما تقوم ممرضة المدرسة بجمعها بابتسامة عريضة، وتبكي.. من الخجل، وتسر لصديقتها أولغا:" هذا فظيع، هذا مخجل، لا استطيع القيام بذلك". وفي مشهد آخر، يتم اتهام الطفل اندريه من قبل مديرة المدرسة بـ"الخيانة العظمى" تجاه "الرفاق والعائلة والوطن" لأنه رفض أن يغني بصوته نشيد "روسيا العظيمة".
وتمضي أحداث الفيلم بين تقنية "الفلاش باك" وبين تصوير حياة الشخصيات في الحاضر. فنجد أن الأصدقاء الثلاثة كبروا وباتوا شخصيات تعاني من آلام نفسية حادة، وتتخبط بين شعورها بالعجز والاحباط وعدم الامتلاء من الداخل، وتحاول الهروب طوال الوقت من تعاليم الماضي التي شكلتها بطريقة ما.
فأندريه أصبح صحافيا، لكنه ذو طبع حاد، وهو شاب فاشل في الحب، وعاجز عن أن يرضي حبيبته، التي تتألم بأسى من اهماله لها ومن قسوته، التي هي في حقيقة الأمر ضعف ورغبة بالهروب. انه حتى، وكما ظهر في احد مشاهد الفيلم، عاجز تماما عن أن ينقذ طفلا يغرق أمامه في مياه النهر.
أما أولغا، فقد أصبحت ممثلة، لكنها تعاني من اضطرابات نفسية وتشوش أفكار تجعل الطبيب النفسي المعالج يندهش، حين تخبره بأنها اختبرت لاول مرة مشاعر النشوة الجنسية وهي في الرابعة من العمر، حين كانت تغلق عينيها وتفكر بأنها محاربة سوفياتية تقاتل الالمان وتضحي بحياتها من أجل بلادها. ولا تزال بعد كبرها غير قادرة على ممارسة الحب الصحي، وعالقة في صور الماضي. وتأتي شهادة الطبيب صادمة ومباشرة:" ستظلين عالقة وعاجزة لأنك خاوية من الداخل"!
أما كاتيا فهي تبذل المستحيل لكي يبادلها حبيبها مشاعر الحب، لكنها تبدو عاجزة عن اقناعه بأن يترك زوجته لصالحها، وهي، أثناء مرورها في ساحة عامة في موسكو، تموت في تفجير ارهابي، وها هي تفتح عينيها في مكان مقدس، لكي ترى صورتها أصبحت عملاقة بين صور الأطفال الأربعة الشهيرة، والتي كانت سلطات الاتحاد السوفياتي تنشرها للأطفال، لكي يكونوا مثلها ويحتذون حذو "الأطفال القادة"!
بعد موتها، يدخل اندريه الى دير ويتحول الى راهب هاربا من كل شيء، وتزوره أولغا لكي يتذكرا صديقتهم، فيما تمضي هي في شوارع موسكو التي يظهرها الفيلم خاوية، تماما كما هي أعماقها!