لم يعد خافياً على أحد أن استفتاء روسيا بضم أربعة أقاليم أوكرانية، قلب المعادلة رأساً على عقب، فقد دخل الغرب في حالة من «التشنج السياسي»، و«الارتباك الدبلوماسي»، و«الحذر النووي»، فيما انتقلت روسيا إلى موقع المدافع عن الأراضي الجديدة، باعتبارها جزءاً من «وطنها الأم»، حسب تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال احتفالية أقيمت في الساحة «الحمراء» بعد إعلانه ضمّ مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون الأوكرانية إلى الاتحاد الروسي.
كرة النار
يبدو أن الوضع في أوكرانيا أشبه بمن يمسك كرة نار في يده، وكل طرف يدحرجها باتجاه الآخر، فمن يحاول التقاطها سيحترق بلهيبها، وإن أعاد رميها بعيداً عنه سيتسبب بإضرام حريق «كوني» قد يلتهم كل فرص السلام في القارة العجوز، ويحرق الأخضر واليابس في العالم أجمع.
من يقرأ بدقة «حبكة» الأزمة الأوكرانية، على «مسرح الواقع»، سيلاحظ أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يخادع عندما حذر الغرب إنه مستعد لاستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن روسيا؛ ففي أكبر تصعيد للحرب في أوكرانيا منذ بدء العملية العسكرية الروسية في 24 فبراير الماضي، رفع بوتين جهارا سقف الاحتمال لصراع نووي «مدمر»، وأقر خطة تفضي لضم مساحات أوكرانية شاسعة تصل لما يوازي حجم دولة المجر.
وللتذكير فقط، تبلغ مساحة المجر 93.030 كم²، فيما تبلغ مساحة أوكرانيا 603,550 كم².
تعبئة
أمر بوتين الشهر الماضي بأول تعبئة لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية، حيث استدعى بوتين نحو 300 ألف من جنود الاحتياط، وأيّد خطة لضم مساحات شاسعة من أوكرانيا.
وأنذر سيد الكرملين الغرب بأنه لم يكن يخادع عندما قال إنه مستعد للجوء لأسلحة نووية من أجل الدفاع عن روسيا.
بالفعل، على ما يبدو أن الأمر ليس «خدعة»؛ ففي خط مواز يؤكد موقف بوتين، استبق رئيس روسيا السابق دميتري ميدفيديف نتائج الاستفتاء على ضم المناطق الأوكرانية الأربع، بتحذير «نووي» شديد اللهجة للغرب، أشار فيه إلى قوة الردع الروسية، حيث قال: «إن التهديد النووي ليس خدعة في هذا الوقت بالتحديد».
وأرادت موسكو من تحذير ميدفيديف «الإضافي»، أن تهيئ العالم سياسياً وعسكرياً ودبلوماسيا عشية نتاج الاستفتاء لقادمات الأيام إذا تم تجاوز حدودها بعد ضم الأراضي الجديدة.
وأيقظ تحذير ميدفيديف، شبح توجيه ضربة نووية في أوكرانيا للدفاع عن الأراضي الجديدة المنضمة إلى «الوطن الأم»، وزاد ميدفيديف في القول: إن التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة سيبقى بعيدا عن الصراع خوفا من حدوث كارثة نووية تنهي العالم.
وكان ميدفيديف يتعمد بين الفينة والأخرى تذكير أصحاب الآذان الصماء الذين يسمعون أنفسهم فقط، حسب تعبيره، حيث كرر مرارا أن لروسيا الحق في استخدام الأسلحة النووية إذا لزم الأمر، وإذا تم تجاوز حدودها، وستفعل ذلك في حالات محددة سلفا،
وفي امتثال صارم لسياسة الدولة وهذا بالتأكيد ليس خدعة، حسب قوله.
ووفق العقيدة النووية الروسية، قد يستخدم الرئيس الأسلحة النووية إذا واجهت الدولة تهديدا وجوديا بما في ذلك من أسلحة تقليدية.
تشنج سياسي
أحدث قرار روسيا ضمن أربع مناطق اوكرانية، تشنجا سياسيا وارتباكا دبلوماسيا في الغرب، فقد سارع الرئيس الأوكراني في التقدم بطلب رسمي لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، واستشاط غضباً عندما دعاه الرئيس بوتين للتفاوض فرد عليه قائلا: ليس وأنت في السلطة.
ورفضت واشنطن الاعتراف أبداً بضم روسيا لأراضٍ أوكرانية، واعتبر مجلس الشيوخ الأمريكي، أن قرار روسيا بضم مناطق أوكرانية محاولة وهمية، حسب وصفه، لإعادة رسم خارطة أوروبا، كما فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات «شديدة» على روسيا.
وقرر الاتحاد الأوروبي عقوبات رادعة لمواجهة قرارات الضم الروسية. وقال "أوكرانيا لها الحق باستعادة السيطرة على أراضيها.
وأدانت فرنسا وألمانيا واليونان قرار روسيا، واستدعت هولندا سفير روسيا لديها. وشددت النرويج الإجراءات على حدودها مع روسيا، أما إيطاليا فاعتبرت قرار الضم الروسي، لا قيمة له، حسب وصفها، ورأت أن بوتين يظهر مرة أخرى رؤيته الإمبريالية الجديدة.
ورفضت مجموعة الـسبع الاعتراف أبداً بقرار روسيا ضم أراضٍ أوكرانية.
9رؤساء يرفضون
إلى ذلك، رفض رؤساء تسع دولٍ في وسط وشرق أوروبا أعضاء في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، الاعتراف أبداً بالمحاولات الروسية ضم الأراضي الأوكرانية.
وفي إعلان مشترك نُشر اليوم الأحد على موقع الرئاسة البولندية على الإنترنت، قال الرؤساء التسعة (الجمهورية التشيكية، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، مقدونيا الشمالية، مونتنيغرو، بولندا، رومانيا وسلوفاكيا): لا يمكننا البقاء صامتين في وجه الانتهاك الصارخ للقانون الدولي من قبل الاتحاد الروسي.
وأعاد رؤساء الدول الأوروبية التسع تأكيد دعمهم لسيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية.
ويدعم الموقّعون على الإعلان، قرار قمة «الناتو» التي عقدت في بوخارست عام 2008، وهو إعلان يتعلق بانضمام أوكرانيا مستقبلا إلى الحلف الأطلسي.
بيد أن كل هذه المواقف مجتمعة، رغم تشددها السياسي، لم تغير من الواقع الجديد شيئا، وربما تدرك روسيا، بحسب منظورها السياسي، أنها حرب كلامية سيتكفل الزمن بإخماد نارها.
واستخدمت روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار أمريكي، تضمن إدانة استفتاءات الانضمام إلى روسيا، التي جرت في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتي خيرسون وزابوروجيا.
عصا السياسة
حاول الأمين العام لحلف «الناتو» ينس ستولتنبرغ إمساك عصا السياسة من الوسط، حيث قال صراحة إن الناتو ليس طرفا في الأزمة أوكرانية ويبقى تحالفا دفاعيا.
ونقلت وكالة «نوفوستي» عن ستولتنبرغ قوله: لا تزال أبواب الناتو مفتوحة. لقد أظهرنا ذلك في السنوات الأخيرة...قرار العضوية يتخذه جميع الحلفاء الثلاثين بالإجماع. هدفنا الآن هو تقديم مساعدة عاجلة لأوكرانيا لمساعدتها في الدفاع عن نفسها. الآن هذه هي المهمة الرئيسية للتحالف.
والناتو ليس جزءا من الصراع، وفق ستولتنبرغ، لكنه يقدم الدعم لأوكرانيا حتى تتمكن من ممارسة حقها في الدفاع عن النفس.