تزامناً مع دخول لبنان المرحلة العسكرية الثانية من الحرب الإسرائيلية عليه، وهي تكثيف الغارات وتوسيع رقعة الاستهداف، حيث شهد الجنوب اللبناني، خلال اليومين الفائتين، سلسلة مكثفة وطويلة الأمد من الغارات، التي تدل، وفق ما يتردد، على نزعة إسرائيلية لإنشاء أحزمة نارية على امتداد جنوب نهر الليطاني وشماله.
كشفت أوساط دبلوماسية لـ«البيان» عن أنها تبادلت في الساعات الأخيرة الماضية معلومات دقيقة، تتحدث عن احتمال أن تتوسع الحرب في الأيام المقبلة، بعدما تبلغ الجميع برفع طرفَي النزاع، «حزب الله» وإسرائيل، من نسبة الجهوزية والاستنفار، ما يؤدي إلى ارتفاع حدة العمليات العسكرية بطريقة لن يكون من السهل لجمها.
أوحت التطورات العسكرية الأخيرة لمصادر مراقبة أن السباق القائم بين الخيارات العسكرية والدبلوماسية قد حُسِم لصالح الأولى، وأن الأمور تتجه إلى ما لا يمكن احتسابه من عمليات قد تخرج عما يُسمى بـ«قواعد الاشتباك» التي تحكمت بالوضع في الأشهر القليلة الماضية.
ذلك أن الجيش الإسرائيلي انتقل إلى مرحلة جديدة من محاولات إضعاف قدرات «حزب الله» العسكرية، عبر استهداف مزدوج لمراكز ومنصات إطلاق الصواريخومن خلال جولتَي الغارات الحربية الجوية، الأكبر والأعنف منذ 8 أكتوبر الماضي.
والتي شنها أمس على مناطق في عمق الجنوب اللبناني وغلاف المنطقة الحدودية، والتي أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص، فإن الجيش الإسرائيلي، وبحسب تأكيد مصادر سياسية متابعة، يحاول فرض واقع ميداني جديد، عنوانه إبعاد «حزب الله» عسكرياً عن الحدود.
وعدم إعطائه الفرصة للعودة إلى تنفيذ عمليات مباشرة من على الحافة الأمامية أو المواجهة للحدود، مع إشارتها لـ«البيان» إلى تركز الغارات على محيط مجرى الليطاني وما بعده شمالاً، إلى جانب بعض الجيوب التي لا يزال الحزب يحتفظ فيها بمنصات صواريخ في المناطق القريبة من الحدود، مع ما يعنيه الأمر من وجود مخطط لإبعاد «حزب الله» إلى حدود النهر وما ورائه.
وثمة مؤشرات إلى أن الحزب قد وسع مدى استهدافاته، حين أطلق رشقات صاروخية متعددة على مناطق واسعة في مناطق الجليل والجولان وضواحي حيفا، حيث دوت صافرات الإنذار بشكل متكرر في 55 مستعمرة إسرائيلية في «الشمال»، بعمق 50 كلم بعيداً عن الحدود اللبنانية.
وأعلن «حزب الله» عن استهداف قاعدة ومطار «رامات دافيد» جنوب شرق حيفا بعشرات الصواريخ، من طراز «فادي-1» و«فادي- 2»، وذلك رداً على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مختلف مناطق لبنان. وفي غضون ساعة، عاد وأطلق عشرات الصواريخ على 3 دفعات، باتجاه مناطق في إسرائيل، وطالت مناطق في شرق حيفا والجليل الأسفل، وتسببت بأضرار واشتعال النيران في بعض المناطق.
وما بين المشهدين أيضاً، فإن ثمة إجماعاً على أن الوضع العسكري الحرج في لبنان قد وصل إلى نقطة اللاعودة، متدحرجاً بصورة دراماتيكية، خصوصاً وسط إصرار إسرائيل على الوصول إلى أهدافها المتمثلة بإعادة سكان المستوطنات الشمالية.
والتي لا تتم بزعمها سوى بإضعاف الحزب. كما أن ثمة إجماعاً على أن ما هو مرتقب يُعد تطوراً طبيعياً لما شهدته الفترة الأخيرة من تصريحات عالية النبرة، سبقت ورافقت وتلت الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق.
والذي لم يكن متوقعاً، متجلياً بعمليتين نوعيتين، عكستهما عمليتَي تفجير شبكتَي «البايجر» و«التوكي ووكي»، قبل أن ترتفع حدتها إلى الذروة بالغارة التي استهدفت اجتماعاً للقادة العسكريين من «قوة الرضوان» في قلب أحد أكبر المربعات الأمنية للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، وما انتهت إليه من ضحايا، رغم أنف المفاوضات والوساطات و«الجهود الدولية» لاستنقاذ الحلول والتسويات، فيما يبقى السؤال شاخصاً: هل يمكن فعلياً تجنب حرب أوسع بعد؟