أكد الخبراء والمختصون المشاركون في البرنامج الحواري في «مساحتكم عبر البيان» على «تويتر space»، والذي ناقش موضوع: «خريطة الطريق.. كيف تقدمت البلدان الغربية؟» أن ثقافة احترام القانون وتبادل الآراء وقبول الآخر مفتاح تقدم المجتمعات، كما شددوا على أن الاستقرار محور التقدم، مشيرين إلى أن الثروة البشرية أساس التطور، وتطرق الخبراء خلال مداخلاتهم إلى تجارب عدة دول التي تمكنت من التغلب على كافة التحديات وفرضت نفسها على الخريطة الاقتصادية الدولية على غرار ألمانيا،وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة، كما أشاروا إلى تجربة الإمارات كنموذج عربي التي حققت طفرة في كافة المجالات.

في بداية الحوار، رحب الكاتب المتخصص في الإدارة د. محمد النغيمش والذي أدار الجلسة بالمشاركين، باعتبارهم قامات كبيرة، كل في مجاله حيث شارك كل من: الشيخ عبدالله الصباح الباحث الكويتي في الشؤون السياسية ومحمد الجوعان، عضو مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية الكويتية، وحسين الشمري مدير إدارة المراسلين الدوليين في وزارة الإعلام السعودية، وصبحي غندور مؤسس ومدير مركز الحوار العربي في واشنطن، وحازم الغبرا كاتب ومحلل سياسي، ومستشار سابق في الخارجية الأمريكية.

علامات استفهام

ولدى افتتاحه الجلسة الحوارية، أكد النغيمش على أهمية الحوار والاستماع للآخر متسائلاً: ماذا حدث في العالم الغربي ولماذا تقدم وما هي مفاتيح تطور الدول؟ قبل أن يمنح الكلمة لمحمد الجوعان الذي تطرق إلى التجربة الأوروبية في تحقيق التطور والازدهار قائلاً: «قبل ألف عام كانت أوروبا أشد فقراً من الصين والهند ولكن بعد 9 قرون وتحديداً في العام 1900م، تغير الأمر إذ أصبحت أوروبا أكثر غنى بنسبة 5 أضعاف عن الهند والصين مجتمعتين».

واقتطف الجوعان عبارات من كتاب صدر في العام 1917 للمؤرخ الأمريكي جويل موكير بعنوان «ثقافة النمو ومصادر الاقتصاد المعاصر» حيث اختصر النمو في الثقافة التي تتفرع منها جذور متفرقة لكن أهمها ثقافة احترام القانون، وفي رأي الكاتب تغيرت ثقافة الأوروبيين بعد العام 1500م إذ ازدهرت الأفكار وتقدمت الأبحاث خاصة ما تعلق بالعلوم وكذا في الولايات المتحدة في فترة الرئيس روزفلت التي كرست ثقافة احترام الآخر واحترام القانون.

وقال الجوعان: هذه الدول جعلت القانون المعيار الأساسي مشيراً إلى التجربة الألمانية، حيث كانت ألمانيا قابعة في الفقر وتضخم كبير جداً قائلاً: «ثقافة احترام القانون لعبت دوراً في التغيير».

 

نموذج فريد

أما الشيخ عبدالله الصباح فاستحضر النموذج الروسي الذي اعتبره نموذجاً فريداً إذا شهد نزولاً وصعوداً في القرنين 19 والـ20 وفي العام 1991 نشأت روسيا الاتحادية ومن تحول من نظام اشتراكي إلى رأسمالي، ففي مرحلة التسعينات كانت روسيا على شفا الإفلاس تحديداً في العام 1997 فضلاً عن اضطرابات داخلية غير أنه مع وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى الحكم العام 2000 ومع ارتفاع أسعار النفط تم اعتماد عدة إصلاحات جذرية في مجالات عدة، مشيراً إلى أن وصول قائد سياسي له دور مهم في إعادة الاعتبار لأي دولة، موضحاً أن هناك 4 مؤشرات لقياس نهضة الدول وهي: الحكم الرشيد، العسكرية، الاقتصادية والاجتماعية ومؤشرات العولمة غير أنه تحدث عن نقص عدد السكان بالنسبة لروسيا بالنسبة لمساحتها الجغرافية الشاسعة.

وقال الصباح: «أصبح للتعليم أولوية قصوى في روسيا خلال مرحلة الرئيس فلاديمير بوتين كما تم إعادة روح القانون وإعادة الثقة في مؤسسات الدولة».

 

كيان قوي

من جهته، تحدث الشمري، عن كوريا الجنوبية التي غيرت تاريخها فمن دولة بسيطة تمكنت بثورتين زراعية وتعليمية أن تصبح ضمن 10 دول الأكثر تقدماً في العالم. وقال إن هذه الدولة عاشت مأساة حقيقية فبعدما كان الشعب متهالكاً صنعت لنفسها كياناً قوياً فرض نفسه دولياً وقفزت تاريخياً نحو التطور، وفاجأت العالم حيث أصبح لديها أكبر المصانع عالمياً على غرار مصانع السيارات و1988 انطلقت الديمقراطية في حياة الكوريين الجنوبيين بالاعتماد على وزارة العلوم والتكنولوجيا في العام 1967 والتي كانت علامة فارقة في تطور هذه الدولة، حيث كانت هناك خطط خمسية ومنها استهلت دول أخرى التجربة الكورية الجنوبية. وأضاف أن الدول العربية بإمكانها الوصول إلى ما وصلت إليها كوريا الجنوبية، مشيراً إلى تجربة دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك التطور الكبير الذي حققته دولة الإمارات، مشيراً إلى استضافة دبي لمعرض اكسبو الدولي وكيف استطاعت أن تجمع 192 دولة على أرضها.

 

مفهوم واسع

بدوره، أكد غندور على أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في تبادل الأفكار والمعلومات وهي منبر لفكرة قبول الآخر وأشار إلى أهمية الجانب الأمني والاستقرار في تطور الدول غير أنه لفت إلى أن التقدم مفهوم واسع موضحاً أن الثروة البشرية أساس التطور مستدلاً بتجربة الإمارات وما وصلت إليه، حيث أكد أن العالم مندهش من التطور الكبير الذي تشهده دبي في كافة المجالات.

وأخذ غندور تجربة الولايات المتحدة متحدثاً عن التكامل متسائلاً: «لماذا لا يوجد تكامل عربي؟» مؤكداً أن التكامل عامل مهم جداً في تحقيق التقدم مشيراً إلى أن المنطقة العربية بحاجة إلى تغييرات عدة من التعليم وإعادة المفاهيم الاجتماعية لكنه قال إن النموذج الغربي عليه علامات استفهام كثيرة فهو بني على احتلال واستعمار شعوب فقيرة لذا فالمنطقة العربية بحاجة إلى النموذج الأوروبي المعاصر.

 

تغير اجتماعي

أما الغبرا، فاعتبر أن التغيير في الولايات المتحدة حدث في منتصف القرن الـ18 حيث الحرب الأهلية التي راح ضحيتها آلاف الأمريكيين، وانتظر الجنوب أن يحدث قتل وتعذيب وانتقام من الشمال المنتصر في الحرب، غير أن الأخير أرسل أطباء ومدرسين وجمعيات خيرية لمساعدة هؤلاء الأشخاص بدل إرسال عسكريين وهنا بدأت سياسة تقبل الآخر وتغيير التفكير وأن السياسة يجب أن تكون في خدمة الشعب ولذا حصل التغير الاجتماعي وحصل في دول كثيرة في أوروبا. وقال: «عندما نقارن بالدول العربية لا يوجد هناك تقبل للآخر فهناك التركيز على السلبيات ومعادلة الصفر أن ما يفيد غيري سيضرني وأعتقد أن الدول العربية تعاني من هذه العقلية سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات وحتى الدول مع أنه في التاريخ الإسلامي هناك نماذج لفكرة تقبل الآخر».

وأضاف: «الأنظمة في الغرب تطورت فالولايات المتحدة تعتمد على النظام الضريبي غير أن المواطن الأمريكي لديه الفرصة للتبرع لأي منظمة خيرية أو منظمة غير حكومية ثم خصم هذه الأموال من ضرائبه وهو ما يشجع الابتكار في الدولة»، مقترحاً فكرة استثمار الزكاة في مجالات أخرى غير الإطعام على غرار استثمارها في تعليم البرمجة.

رفض المثالية

وعلق غندور عن الحرب الأهلية الأمريكية قائلاً: كان هناك منع تقسيم الولايات المتحدة، مشيراً إلى إن العنصرية في هذه الدولة لم تتم إزالتها. وأضاف:«أعتقد أنه لا يجب التحدث عن الدول بمثالية» وهو ما أيده مدير الحوار الذي شدد على ضرورة عدم النظر إلى الغرب على أنه «شيء ملائكي» إلا أنه تحدث عن وجود نظام رغم وجود بعض الأمراض الاجتماعية في ظل وجود قانون فوق الجميع. وقال: «نحن نحتاج أن نذكر أن الغرب بشر في النهاية»، مضيفاً: «نحن نحتاج للتقدم كل في موقعه» مستدلاً بتجربة الإمارات والكويت في الستينات وكذلك في المملكة العربية السعودية التي حققت أشواطاً كبيرة جداً في جميع المجالات.

صوت هادئ

وقال النغيمش: «نريد أن نفكر بصوت هادئ ونضع رؤية تعطينا تعليماً مميزاً واقتصاداً مزدهراً» موضحاً أن تطور الشعوب يكون وراؤها قائد محنك ينصفه التاريخ.

ودعا الشيخ عبدالله الصباح إلى دراسة التجربة الروسية التي تسمح لنا بفهم القطبية العالمية، فيما تحدث الشمري عن دور الصناديق السيادية في التقدم الاقتصادي وأن هناك إمكانية التقدم لدى كل دولة على حدة، وأن هناك مشاريع يجب الاصطفاف حولها وهناك تقدم كبير بكل المجالات في دول الخليج.

وفي ختام تعليقه،اعتبر أن المشروع العربي قادم من خلال البحث عن ثورة تعليمية والابتعاد عن أسلوب التلقين وغرس أسلوب الابتكار والإبداع لدى الطلاب، داعياً إلى استغلال جميع الفرص المتاحة في المنطقة العربية.

جلسات أخرى

دعا حازم الغبرا إلى إجراء جلسات حوارية أخرى حول ملف تقدم الدول وتقديم مقترحات تمكن الدول العربية من أن تحقق تقدماً ونمواً والتغلب على التحديات، حيث أكد أن الموضوع يحتاج إلى عدة جلسات وهو ما أكده الكاتب المتخصص في الإدارة د. محمد النغيمش الذي دعا هو الآخر إلى عقد جلسات أخرى للحديث عن كيف يمكن للمنطقة العربية أن تحقق تطوراً ونمواً في كافة المجالات، موضحاً أن من بوابة الاعتراف بوجود مشكلة أساس الحل.