أظهرت نتائج استطلاع القيم المجتمعية للإمارات، الذي أجراه مركز باريت الدولي بالتعاون مع برنامج "وطني" وشمل 18 دولة عالمية، تصدر العلاقات الأسرية والتمسك بالأخلاق الحميدة لمجموعة القيم والسلوكيات المجتمعية التي تميز المجتمع الإماراتي بمختلف شرائحه السكانية.
وبين الاستطلاع أن الإمارات هي الدولة الوحيدة من ضمن الدول التي أجرى المركز استطلاعاً للرأي فيها حتى الآن، أظهرت بأن "السلام والأمن والأمان" يأتي في مقدمة القيم العشر الأولى التي يتمتع بها المجتمع، وكانت الإمارات إحدى دولتين من بين 18 دولة تم إجراء الاستطلاع فيها، التي كانت قيمها العشر الأول جميعها إيجابية والتي تم اختيارها من بين 80 قيمة ايجابية وسلبية، مما يشير إلى أن الأفراد القاطنين في الدولة يتمتعون بنسبة عالية من الرضى والارتياح عن الوضع العام في الدولة. كما أشار الاستطلاع إلى أن الأفراد في الإمارات يتطلعون إلى تحقيق دورٍ ريادي على مستوى العالم في مجال الابتكار والإبداع.
وجاء الاعلان عن نتائج الاستطلاع خلال مؤتمر صحافي أمس، بحضور ضرار بالهول مدير عام برنامج وطني وريتشارد باريت، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"باريت"، وأحمد النشار مدير عام شركة رايت سكووب، ومريم بن فهد المدير التنفيذي لنادي دبي للصحافة ومنى بوسمرة مدير جائزة الصحافة العربية.
مركز متخصص
وقام "باريت"، وهو أحد أهم المراكز العالمية المتخصصة باستطلاعات القيم المجتمعية، بإطلاق هذا المسح في أكتوبر الماضي بالتعاون مع مركز دراسات الرأي العام "رأيك"، وهو مركز وطني متخصص في استبيانات الرأي العام أطلقه برنامج "وطني" لرصد تطلعات الشارع الإماراتي حول أهم القضايا الاقتصادية والاجتماعية. وشمل الاستطلاع 4 آلاف و100 شخص يمثلون مختلف شرائح المجتمع في مختلف إمارات الدولة، حيث بلغت نسبة المواطنين الإماراتيين الذين شاركوا في الاستطلاع 57 % بينما شكل المقيمون ممن تجاوزت أعمارهم عشرين عاماً 43 % وبلغت نسبة الذكور التي شملها الاستطلاع 54 % بينما بلغت نسبة الإناث المشاركات 46 %.
وتسهم النتائج التي خرج بها الاستطلاع في توفير رؤية واضحة لأفضل الطرق والأساليب التي تساعد صناع القرار في إطلاق المبادرات التي تؤثر بشكلٍ إيجابي في المجتمع وأفراده، إضافة إلى دوره في دعم عملية وضع السياسات والاستراتيجيات بما يتناسب مع قيم وتوجهات المجتمع والسلوكيات الرئيسية التي تحكمه.
تنوع كبير
وقال ريتشارد باريت، المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: يسعدنا في "باريت" الإعلان عن نتائج هذا الاستطلاع المهم، والذي يعتبر الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، والذي أظهرت نتائجه بأنه على الرغم من التنوع الكبير في الجنسيات التي يتكون منها النسيج المجتمعي للإمارات، إلا أنه يتمتع بانسجام رائع ومميز، الأمر الذي يعكس كفاءة الآليات الثقافية القائمة والتي تخلق سلاسة وانسيابية في التعامل وتأسيس العلاقات بين المواطنين الإماراتيين والمقيمين على أرض الإمارات.
وأضاف ريتشارد: ان الأمم والمجتمعات والمؤسسات تسعد وتعتز حين ترى قياداتها تركز في سياستها ونهجها على بناء القيم والسلوكيات وجعلها جزءاً من ثقافة المجتمعات بما يتناسب مع احتياجات الأفراد، أي عندما يكون هناك توافق بين قيم الناس وما يحيوه على أرض الواقع. وتشير نتائج الاستطلاع إلى تربع عدد من القيم والسلوكيات على قائمة القيم المجتمعية التي تتمتع بها الإمارات، فعلى صعيد القيم الشخصية تضمنت أبرز القيم كلاً من الاهتمام بالأسرة، الاهتمام بالآخرين، الاحترام، الصراحة، التمسك بالأخلاق، الحرص على الإنجاز، الطموح والالتزام بالواجبات، بالإضافة إلى التعاون وسعي الفرد لأن يكون فاعلاً في المجتمع.
وأشار الاستطلاع إلى أن من أهم القيم والسلوكيات في نظر المشاركين حالياً أو تلك التي يتطلعون إلى رؤيتها في المستقبل، تتضمن الاهتمام بالجيل الجديد والاحترام والاعتزاز بالمجتمع المحلي والإبداع والاهتمام بالأسرة وتوفر السكن المناسب.
كما عكس الاستطلاع العديد من الإيجابيات التي تلمسها القاطنون في مجتمع الإمارات، والتي شملت قيم متعددة وفي مقدمتها الأمن وفرص التعليم، والاهتمام بالجانب الجمالي، بالإضافة إلى الولاء. أما الابتكار وفرص العمل والاستقرار المالي والصدق والصراحة، فكانت بعضاً من القيم التي يفضل أن يلمسها بعض المشاركين في الدولة.
وذكر الاستطلاع أن القيم الرئيسية التي تؤثر على مؤشر الطاقة السلبية المجتمعية يشمل البيروقراطية واللوم والفساد والمادية والتلوث البيئي والسلوكيات العدائية.
وأضاف باريت: تمثل القيم الاحتياجات التي نتطلع دائماً إلى تحقيقها، فهي تحفز وتشجع أفعالنا وتحدد تصرفاتنا، حيث اننا نؤمن في المركز بأن مشاركة القيم والسلوكيات بين الناس تتخطى حاجز الدين والسياسة والجنس والأعراق، فالمجتمعات الإنسانية تنمو وتتطور لمرحلة يمكنها حينها أن تقلل من نسبة الخوف وتساهم في بناء عامل الثقة وزيادة مستوى المحبة بينها للوصول في النهاية إلى فهم سائد للقيم والسلوكيات المشتركة.
قصور ثقافي
ومن جانبه قال أحمد النشار مدير عام "رايت سكووب": إن النسبة في القيم والسلوكيات السلبية بين الصفر إلى 12 % تعتبر أمرا طبيعيا لأنه لا يوجد مجتمع في العالم يخلى من هذه القيم والسلوكيات، لافتا إلى أن القصور الثقافي يستخدم لعكس القيم السلبية وتأثيرها على المجتمع، وفي هذا الاستطلاع فإن التكلفة السنوية للقصور الثقافي في الإمارات تبلغ 25.6 مليون دولار وتشكل نسبة 12 % من الناتج المحلي البالغ 360 مليار دولار، بينما هذه التكلفة تبلغ في اميركا 18.5 مليار دولار، بنسبة 56 % من الناتج المحلي البالغ 14 ترليوناً و58 مليار دولار، بينما تبلغ هذه التكلفة في بريطانيا ملياراً و694 مليون دولار بنسبة 43 % من الناتج المحلي البالغ 2 ترليون و246 مليار دولار.
واعتمدت 60 % من نتائج الاستطلاع تحديد القيم والسلوكيات المبنية على الوضع الحالي وغيرها من القيم التي يطمح الأفراد إلى لمسها في المستقبل، حيث كان مؤشر الطاقة السلبية المجتمعية في أدنى مستوياته بينما ارتفعت نسبة تشابه القيم والسلوكيات الحالية والتي يطمح إليها الأفراد، مما يدل على أن الأفراد في مجتمع الإمارات يشعرون بأنه يسير في الاتجاه الصحيح.
ولم يسجل الاستطلاع أي حضور للقيم المعيقة للتقدم المجتمعي ضمن قائمة القيم العشر الأولى، والذي يعتبر جاذباً للانتباه، لاسيما مع وجود التنوع السكاني في المجتمع، والذي بدوره يعكس التآلف والانسجام الذي يتمتع به مجتمع الإمارات، ما يعزز خلق بيئة تتميز بالتعايش السلمي والمستقر. كما يعكس ذلك فاعلية الترابط الثقافي الذي يعشيه المجتمع حالياً، والذي بدوره يوطد العلاقات بين المواطنين الإماراتيين والمقيمين.
وينظر الناس في الإمارات إلى الأهمية الكبرى لعددٍ من القيم المجتمعية والمتمثلة في التمسك بالأخلاق والاهتمام بجيل المستقبل والاحترام والاهتمام بالعائلة، وجاءت هذه القيم في المراتب العليا بين جميع العوامل الديموغرافية والشخصية في القوائم الحالية والمرجوة من القيم. فهذه القيم تمثل القيم الأساسية التي يطمح الناس للمسها ورؤيتها في الإمارات، لأنها تشكل أساساً للانسجام والاستقرار في المجتمع الإماراتي.
وكانت الإمارات هي الدولة الوحيدة من ضمن الدول التي أجرى المركز استطلاعاً للرأي فيها حتى الآن، أظهرت بأن "السلام والأمن والأمان" يأتي في مقدمة القيم العشر الأولى التي يتمتع بها المجتمع، وعززت هذه النتيجة من قدرة الإمارات على تجاوز عدد من أكثر البلدان تقدماً في العالم في تحقيق هذا العامل الحاسم في تحقيق الاستقرار والذي يتطلع إليه أي مجتمع.
إلى ذلك جاءت نعمة الأمن والأمان في مقدمة القيم والسلوكيات التي تضمنتها نتائج الاستطلاع، والتي اختارها المشاركون على تنوعهم الديموغرافي، وهذا يدل على الإحساس العالي بالأمن والأمان الذي يتمتع به مجتمع الدولة، وهو إنجاز كبير مقارنة بما يجري من أوضاع غير مستقرة في المنطقة. وتعتبر فئتا الشباب والمرأة ضمن أكثر السكان الذين يشعرون بالأمن والسلام على مستوى الإمارات السبع.
وتم تحديد القيم الثلاث، وهي الاحترام والاهتمام بالأسرة والتمسك بالأخلاق لتكون الأساس الذي تبنى عليه ثقافة مجتمع الإمارات، كأبرز القيم والسلوكيات التي تسوده، حيث كانت ضمن الأولويات العشر التي حددها الجمهور المشارك كقيم شخصية موجودة وقيم يطمحون إلى تعزيز تواجدها في المستقبل.
ويمثل وجود هذه القيم الشخصية عاملاً بارزاً ومؤثراً في قيادة الدولة نحو تعزيز جهودها الراهنة في الحفاظ وتحسين الأمن والرفاهية لشعب الدولة. كما أن هذه الحقيقة تدحض الاعتقاد الشائع بأن الإمارات، دولة مادية تسعى إلى تحقيق الرخاء الاقتصادي فقط، حيث أوضح 75 ٪ من المشاركين أن هذه القيم الثلاث هي أهم القيم التي يؤمنون بوجودها في مجتمع الإمارات ويطمحون إلى استمراريتها.
أدوار ريادية
ومن ناحيةٍ أخرى، أشار الاستطلاع إلى أن الأفراد في دولة الإمارات يتطلعون إلى تحقيق دورٍ ريادي على مستوى العالم في مجال الابتكار والإبداع. وحدد "الابتكار" باعتباره القيمة المطلوبة و"الإبداع" كقيمة موجودة حالياً في مجتمع الإمارات وإحدى القيم التي يتطلعون إلى استمراريتها.
ويعتبر الابتكار واحداً من أهم القيم الاستراتيجية الرئيسية في جميع البلدان الرائدة في العالم، حيث تولي الإمارات العربية المتحدة قطاع "التعليم" أولوية قصوى، عن طريق رفع المعايير التعليمية من جهة وعقد الشراكات والتحالفات التعليمية مع كبرى المعاهد التعليمية في العالم من جهة أخرى.
كما أن التقدير العالي والاهتمام بالجانب الجمالي، كان واحداً من أبرز المواضيع التي عكستها الشرائح المستطلعة، حيث تم التطرق إليها بطرق مختلفة ومتعددة من قبل جميع إمارات الدولة.
وكان هناك مستوى عالٍ من الاتفاق على أهمية الجانب الجمالي في مجتمع الإمارات. العدالة والمساواة كانتا من أبرز الرسائل التي وجهتها نتائج الاستطلاع، حيث أشارت النساء المشاركات في الاستطلاع إلى شعورهن الكبير بمبدأ المساواة في مجتمع دولة الإمارات مقارنةً بدولهن في منطقة الشرق الأوسط. وهذا يدل على أن الممارسات والقوانين الحالية في الدولة تدعم حقوق المرأة وتؤكد قدرتها على لعب دورٍ مميز في عملية النمو والتطور.
وبالإشارة إلى المساواة والتعايش، كشفت نتائج الاستطلاع أيضاً انخفاض مستوى التفاوت بين القيم الحالية والقيم المرجوة التي حددها مواطنو الإمارات والمقيمون، مما يدل على سيادة مشاعر الشراكة والانسجام من قبل الطرفين، بغض النظر عن الخلفية الثقافية والاجتماعية لكلٍ منهما.
إشادة
قال ريتشارد باريت، المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "باريت" الدولي إن القيم والسلوكيات الإيجابية المرصودة في المجتمع الإماراتي من خلال الاستطلاع تعكس
القيم والسلوكيات التي تمثلها القيادة في الدولة، الحريصة على نشر القيم والسلوكيات الإيجابية، والتي تغيب في معظم الدول التي تدعي الديمقراطية.
وذكر أن الإمارات لديها فرصة كبيرة لأن تبقى رائدة في القيم الإيجابية على مستوى المنطقة والعالم، لافتا إلى أن الناس اليوم اصبحوا يدركون أهمية القيم كونها دافعا اساسيا للقرارات، منوها بأنه لو استطعنا خلق مجتمعات مدفوعة بمثل هذه القيم، فإنه بالتأكيد ستكون الحياة أكثر سعادة.