يسود اعتقاد خاطئ لدى الكثير من الناس، بأن اضطراب طيف التوحد، هو مرض يمكن الشفاء منه، إلا أن التوحد في الحقيقة، هو إعاقة تصاحب الشخص طوال مراحل نموه، ولا يزول مع تقدم العمر، فأهالي المصابين بالتوحد، يعيشون صراعاً لا ينتهي بمرحلة عمرية محددة، بل يزداد، خاصة عند تجاوز أطفالهم سن الثامنة عشر، لعدم توفر مراكز خاصة في الدولة تحتويهم في هذه المرحلة العمرية. كما لا يوجد إحصائية بأعداد المصابين بالتوحد في الدولة من عمر 1-18 وكذلك أعداد المصابين فوق سن 18.
لكن في دبي يوجد 54 طفلاً مسجلاً في مركز دبي للتوحد، 19 % منهم من المواطنين. فما المستقبل الذي ينتظر هؤلاء الأطفال عندما يكبرون؟، وهل يتهددهم خطر الانتكاس في حال عدم احتوائهم في مراكز خاصة؟، وما سبب تسليط الضوء على الأطفال المصابين بالتوحد فقط، وتجاهل قضايا من تجاوز منهم سن الثامنة عشر؟، وهل توجد تجارب عالمية ناجحة يمكن تطبيقها كحلول دائمة لهذه القضية؟، أسئلة توجهت بها أم سعود، وهي أم لشاب مصاب بالتوحد، يبلغ من العمر 22 سنة، مطالبة بطرح حلول دائمة لهذه القضية، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة التي يمكن تطبيقها.
فرص عمل
كما طالب والد عائشة، المصابة بالتوحد، والبالغة من العمر 26 عاماً، بتوفير فرص عمل ملائمة للمصابين بالتوحد، بعد بلوغهم سن الثامنة عشر، ضمن بيئة ملائمة لظروفهم وطبيعة احتياجاتهم الخاصة، وطالب كذلك بتوفير المراكز التأهيلية والأندية الرياضية والترفيهية الخاصة بالشباب المصابين بالتوحد، منها الخاصة بالفتيات المصابات بالتوحد، فمعاناتهم بلا مراكز تحتضنهم مستمرة، ولا توجد هناك أي بوادر لحل هذه القضية.
مطالبة
والد الطفل محمود، طالب بضرورة توفير مركز واحد على الأقل في الدولة، يضم هؤلاء الأطفال، لافتاً إلى أن ابنه يعاني من انتكاسة شديدة جداً بسبب جلوسه في البيت، وافتقاده لزملائه الذين قضوا معه سنوات في المعهد، مؤكداً أن حالة محمود تسوء تدريجياً، ونشعر بأنه فقد كل ما اكتسبه من مهارات أثناء الدراسة.
ويقول، بالتأكيد أن جميع المعاقين وأهاليهم في الدولة، يعانون من المشكلة نفسها، وهي عدم وجود المراكز التعليمية الخاصة بهم بعد سن الثامنة عشرة. مطالباً بضرورة توفير مركز واحد على الأقل في الدولة لاستيعاب المعاقين، حيث يكون لكل إعاقة فصل دراسي مختلف، بحكم طبيعة الإعاقة، مع توفير الرعاية الكاملة لهم، وهذه مشكلة لا بد أن تصل إلى قيادتنا الرشيدة، التي لم تبخل يوماً في توفير الحياة الكريمة لأبنائها.
لا فوارق
سارة أحمد باقر رئيس برامج التوحد في مركز دبي للتوحد، تقول، لا يوجد فرق بين المصابين بالتوحد وغيرهم من ذوي الإعاقات الأخرى، في ما يتعلق بالعمر، موضحة أن التوحد هو إعاقة تصاحب الشخص طوال مراحل نموه، ولا يزول مع تقدم السن. وبسؤال محمد العمادي مدير عام مركز دبي للتوحد، عما إذا كان المركز الجديد المزمع افتتاحه قريباً، يضم فصولاً لمن هم فوق 18 سنة، قال: المبنى الجديد للمركز، والمقرر افتتاحه خلال العام المقبل، يعد قفزة نوعية في مجال تقديم الخدمات للأطفال المصابين بالتوحد، إلا أنه، رغم ذلك، لن يتمكن من تقديم خدماته، إلا لمن تتراوح أعمارهم ما بين 3 إلى 18 سنة فقط.
ضرورة
وشدد العمادي على أهمية وجود مراكز تأهيلية مكمّلة، متخصصة لرعاية الشباب المصابين بالتوحد، تعمل على تقديم برامج التدريب المهني والرعاية الطبية اللازمة، نظراً لما يمتلكونه في هذه المرحلة العمرية من طاقات مختلفة، يحتاجون إلى تفريغها، كيلا يصابوا باضطرابات سلوكية، كالعدوانية ونوبات الغضب والاكتئاب النفسي.
وأوضح العمادي أن التغيرات الهرمونية في هذه الفترة من النمو، تؤثر في الوظائف العصبية لديهم، ولذلك، يجب عليهم اتباع طرق العلاج اللازمة للتخفيف أو التخلص من نوبات التشنجات الدماغية، مشدداً على أهمية الوقوف على قضية الفراغ الخدمي المقدم لتلك الشريحة.
وحول أهمية توعية أصحاب العمل على تقبل المصابين بالتوحد في القطاعين الحكومي والخاص، أكد العمادي، ضرورة تشجيع الحكومة لأصحاب العمل، للمساهمة في توظيف الأفراد المؤهلين من هذه الفئة، أسوة بشركات عالمية كبرى، كشركة «مايكروسوفت»، التي تقوم بتوظيف أشخاص يعانون من التوحد بدوام كامل، معتمدة على صفات المصابين بالتوحد كميزة تنافسية.
خدمات تربوية
الدكتور محمد فتيحة رئيس قسم التربية والأستاذ المساعد في جامعة أبوظبي، قال «مرحلة ما بعد 18 سنة من عمر أي شخص مصاب بإعاقة، وهذا ينطبق بالضرورة على المصابين بالتوحد، تعتبر امتداداً لما يتلقاه من خدمات تربوية وتأهيلية خلال مراحل العمر السابقة، بدءاً من الكشف المبكر والتدخل المبكر، وصولاً لما بعد سن الثامنة عشرة، ولقد أثبتت العديد من الدراسات، وخاصة المتعلقة بالكشف والتدخل المبكر، الأثر الكبير في المصابين بالإعاقة، في حال تلقيهم خدمات تربوية وتأهيلية مستمرة، تنقلهم لاحقاً في الأعمار المتقدمة إلى إلحاقهم بفرص العمل الملائمة، والتي تتناسب وطبيعة إعاقتهم وقدراتهم وميولهم، وهذا ما يعتبر شكلاً من أشكال الدمج المجتمعي، الذي نسعى إليه كمختصين، ويمثل حقاً من حقوق المصابين بالإعاقة على اختلاف فئاتهم، والذي يضمنه القانون الاتحادي في الدولة».
كشف مبكر
ومضى الدكتور فتيحة قائلاً، عندما توفر خدمات كشف وتدخل مبكر ملائمة، بالتأكيد ستعمل على الحد من الصعوبات التي يواجهها المصاب بالتوحد وأسرته، ويقلل من فرص الاعتماد والتبعية الأسرية، ويسهم في نجاح دمج الطلبة المصابين بالتوحد في المدارس النظامية، كل ذلك يساعد على نجاح المجتمع في تقليص أثر أي إعاقة في مراحل العمر المتأخرة، ويسهم في دمج المصابين بالتوحد، على اختلاف مستويات الشدة لديهم في المجتمع، كل حسب قدرته وإمكاناته. وبالتالي، يقلل من الحاجة إلى مراكز تربية خاصة للأعمار بعد 18 سنة.
برامج ربط
وأضاف «هناك حاجة لتوفير برامج ربط ومتابعة ما بين مراكز التربية الخاصة ومدارس التعليم النظامي، تربط بين ما يحتاجه الطفل المصاب بالتوحد من مهارات لازمة، وما يقدم من خدمات في تلك المراكز، بحيث يجعلها خدمات فاعلة ووظيفية، تساعد لاحقاً في دمجه في المدارس النظامية، أو من خلال توفير برامج الدمج المكاني في المدارس النظامية لبعض الطلبة الذين تسمح قدراتهم بذلك، حيث يتم نقلهم إلى الصف الأكاديمي، ما يحقق لهم فرصة للتعلم واكتساب المهارات الأكاديمية والتواصلية والاجتماعية مع زملائهم من الطلبة العاديين.
وفي حال عدم قدرة الطالب على متابعة دراسته الأكاديمية، فإن الحاجة تكمن أكثر في توفير خدمات تأهيل مهني، يتم فيها تنمية مهارات الشخص المصاب بالتوحد، اعتماداً على قدراته الذهنية وخصائصه السلوكية والمعرفية والاجتماعية، والذي يعتبر استمراراً لمرحلة ما قبل التأهيل المهني.
وقال، من الملاحظ، ونتيجة لعدم اتباع البرامج التربوية الملائمة والخطط التربوية والتعليمية، والخطط الفردية الأسرية، والمتابعة الدورية، فإن معظم الأهداف المدرجة في برنامج الطفل المصاب بالتوحد، أو أي إعاقة أخرى، لا يرقى للمستوى المطلوب، ولا يحقق الهدف المرجو بدمج ذوي الإعاقة، والاستفادة من قدراتهم كأفراد فاعلين في المجتمع.
صعوبات
إن الصعوبات التي يتعرض لها كل من البالغ المصاب بالتوحد وأسرته ومجتمعه، صعوبات بالغة وجمة، في حال عدم متابعة برنامجه ما بعد مراكز التربية الخاصة، والتي تنتهي خدماتها في سن الثامنة عشرة، فعلى صعيد الشخص المصاب بالتوحد، قد تتراجع مهاراته التي اكتسبها سابقاً، فيحدث لديه انتكاسة في ما اكتسبه من مهارات معرفية وتواصلية واجتماعية، وتظهر لديه العديد من المشاكل السلوكية الناتجة عن عدم توفير برنامج يومي يسهم في الحفاظ على ما اكتسبه من مهارات سابقة، كما أن لطبيعة المرحلة التي يمر بها الشخص البالغ المصاب بالتوحد من خصوصية، فقد تزيد لديه بعض المشكلات السلوكية المرتبطة بالجوانب الجنسية، ما لم يتم مراعاة ذلك الجانب.
فقدان هذه المهارات واكتساب سلوكات غير مرغوبة، أمر وارد، لأسباب عديدة، منها ما يتعلق ببرنامج التربية الخاصة الذي تلقاه الشخص المصاب بالتوحد سابقاً، ومنها ما هو متعلق بالأسرة ومتابعتها وتنسيقها مع المركز الذي تلقى فيه الشخص المصاب بالتوحد، تدريبه قبل توقف الخدمة.
مشاكل الأسرة
وأوضح الدكتور فتيحة أن الأسرة تواجه العديد من المشكلات، التي تتمثل بعدم وجود رؤية واضحة لمستقبل الشخص المصاب بالتوحد، أو أي إعاقة أخرى في هذه المرحلة، والمراحل العمرية اللاحقة، فتصبح الأسرة عرضة للاستغلال من ضعيفي النفوس، والذين يكون همهم الأخير مصلحة الشخص المصاب بالتوحد وأسرته، ناهيك عن المشكلات الأسرية التي قد تنشأ بين الوالدين أنفسهم وبين الإخوة والأخوات.
من المؤكد أنه ثمة حاجة لإنشاء مراكز متخصصة في إعداد وتأهيل المعاقين مهنياً، تعمل على صقل قدراتهم وتدريبهم على المهارات المهنية التي تتلاءم وقدراتهم الذهنية والتواصلية والاجتماعية، مع ضرورة التأكيد على توفير برامج ترفيهية لهذه الفئات من الإعاقة، تساعد الأسر على تخطي الكثير من العقبات التي تواجههم، بعد ترك أبنائهم المصابين بالتوحد مركز التربية الخاصة. ويعرف التأهيل المهني، بأنه تلك المرحلة من عملية التأهيل المتصلة والمنسقة، التي تشمل توفير خدمات مهنية، مثل التوجيه المهني والتدريب المهني والاستخدام الاختباري، بقصد تمكين الأشخاص من ذوي الإعاقة، من ضمان عمل مناسب، والتأهيل عملية تتضافر فيها جهود فريق من المختصين في مجالات مختلفة، لمساعدة الشخص المعاق على تحقيق أقصى ما يمكن من التوافق في الحياة، من خلال تقويم طاقاته ومساعدته على تنميتها، والاستفادة منها لأقصى ما يمكن.
تعريف
يعرف التوحد، بأنه الحالة التي تطلق على مجموعة من الاضطرابات النمائية، التي تسمى باضطرابات طيف التوحد، والتي تصاحب الشخص المصاب به طوال حياته، ويتمثل بضعف التواصل والتفاعل الاجتماعي، والميل إلى الانعزال عن الآخرين، كما يعتبر التوحد أكثر الاضطرابات النمائية شيوعاً، إذ يتم تشخيص حالة واحدة بالتوحد بين كل 68 طفلاً.
تربية
عدم إبعاد المصاب بالتوحد عن أسرته
لا يفضل إبعاد الشخص المعاق عن أسرته وإرساله إلى مراكز خارج الدولة إلا إذا اضطرت الأسرة لذلك لما لذلك من أثر نفسي على المعاق، فوجود الأسرة عامل مهم وضروري في تطوير قدرات المعاق ودمجه في المجتمع.
أما فيما يخص البرامج العلاجية للأشخاص المصابين بالتوحد فأفضلها على الإطلاق هو برنامج التدخل المبكر والبرامج التربوية والتأهيلية المبنية على أسس تربوية صحيحة وتعمل بنظام تداخل التخصصات.
تأهيل
نصائح للأسرة لتقليل الصعوبات التي تواجهها
لابد للأسرة من متابعة البرنامج التربوي الفردي لتقليل الصعوبات والمشاكل التي تواجه الشخص المصاب بالتوحد أو غيره من الإعاقات الذي تم تدريبه عليه سابقاً في المركز والتحضير الفعال مع المركز لتلك المرحلة بمعنى عدم الانتظار لحين وصول ابنهم المصاب بالتوحد لعمر 18 سنة. إضافة إلى البدء بالتعاون مع المركز في برامج التأهيل ما قبل المهني أو التهيئة المهنية أو الإعداد للعمل.