سجل الطبيب محمود رمضان الموافي أخصائي أمراض القلب في أحد المراكز الطبية في المنطقة الشرقية اكتشاف مرض جيني شديد الندرة يعرف بمرض «دانون»، وذلك في بعض أفراد أسرة مقيمة في المنطقة الشرقية.
عن ملابسات تشخيص هذا المرض، يقول الدكتور محمود إنه بينما كان يتابع حالة أحد المرضى المصابين بتضخم شديد في عضلة القلب لاحظ أن تطور هذا التضخم عبر الزمن وخصائصه بفحص الموجات الصوتية قد بدا من غير المألوف لديه مطلقاً طيلة فترة ممارسته كطبيب قلب على مدى عشرين عاماً، وحينما بدأت الأعراض نفسها بالظهور في شقيق المريض أدرك أن هذا المرض قد يكون ناشئاً عن طفرة جينية، ولذلك كان من الضروري إجراء تحليل جيني لتشخيص المرض وكانت هذه هي العقبة الرئيسية نظراً لصعوبة إجراء هذا التحليل بدولة الإمارات، وتواصل الدكتور محمود مع عدة مراكز متخصصة في أبحاث الجينات حول العالم لتوضيح شكوكه حول هذا المرض، ووافقت أحد أشهر المختبرات الجينية في أوروبا على إجراء مسح جيني بدون مقابل لكل أفراد الأسرة والتي تعاونت بشكل إيجابي وتم إرسال العينات الدموية لأوروبا، حيث تم تأكيد إصابتهم بمرض «دانون» في بعض أفراد الأسرة نتيجة لطفرة جينية جديدة لم يتم تسجيلها في العالم من قبل مما يعتبر كشف حالة جديدة، وتمت إضافة هذه الطفرة إلى السجل العالمي لمرض «دانون» تحت اسم مكتشفيها.
وعن ندرة هذا المرض يقول الدكتور محمود إن مرض «دانون» قد تم تسجيله في ما يقرب من مائة مريض فقط حول العالم البالغ تعداد سكانه سبعة مليارات ونصف مليار نسمة وهو بذلك من أكثر الأمراض ندرة، وإن كانت بعض التقارير المنشورة قد رفعت معدل الإصابة نظرياً إلى شخص واحد في المليون ولكن عملياً لا يتم تشخيص المرض نتيجة عدم معرفة الأطباء به وعدم توافر معامل لتحليل الجينات، كما أن جميع التقارير العلمية المنشورة عن ذلك المرض قد صدرت من أربع مناطق فقط هي الولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان وأوروبا الغربية وهي مناطق ذات كثافة سكانية عالية للغاية مقارنة بالإمارات، وبذلك يكون التقرير الحالي عن مرض «دانون» بالإمارات - والذي سيظهر في إحدى الدوريات العلمية الدولية بعد بضعة أشهر من الآن - هو الأول من منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية بينما لم يتم نشر أي تقرير عن حالات مصابة بذلك المرض في الغالبية الساحقة من دول العالم بما فيها قارة إفريقيا بأكملها وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا والكومنولث الروسي.
تعريف المرض
ويعرف الدكتور محمود المرض بأنه من الأمراض الحديثة التي لم تكن معروفة قبل عام 1981 وهو العام الذي تم فيه نشر أول بحث بالعالم عن ذلك المرض عن طريق طبيب أميركي اسمه دكتور «موريس دانون» والذي سمي المرض باسمه. وهذا المرض هو من الأمراض الوراثية المرتبطة تحديدا بالكروموسوم الجنسي «إكس» ولذلك فإن الذكور يكونون مصابين فعليا وبصورة شديدة، أما الإناث فَيَكُنَّ حاملات للمرض وتظهر عليهن الأعراض بصورة أخف من الذكور وقد لا تظهر مطلقاً.
أما عن الخصائص الطبية للمرض فهو يصيب عضلة القلب بالتضخم في مراحله الأولى وهو ما يؤدي إلى ظهور الأعراض والتي غالبا ما تكون على هيئة خفقان أو عدم انتظام في ضربات القلب (تسارع شديد أو بطء شديد) مما قد يؤدي إلى فقدان الوعي بل والموت المفاجئ أحيانا، وإذا أفلت المريض من الموت المفاجئ فإنه للأسف بعد سنوات قليلة يصاب بضعف شديد في عضلة القلب والذي تتوسع حجراته وتضعف قدرته الانقباضية مما يؤدي إلى الوفاة.
علمياً على المستوى الجيني، فإن هذا المرض ينشأ نتيجة «طفرة» مهلكة في موضع من الحمض النووي بالكروموسوم «إكس» وتحديدا في «الجين» المسؤول عن تصنيع أحد البروتينات المرتبطة بغشاء «الليسوسوم» وهو من العضيات ذات النشاط الابتلاعي الموجودة بالخلية والتي تحتوي على إنزيمات هاضمة تفكك الزائد أو الهالك من العضيات والغذاء، ويؤدي ذلك الخلل الجيني إلى فساد البروتين المذكور أو عدم تصنيعه من الأساس مما ينتج عنه انهيار في غشاء الليسوسومات ووظائفها مما يؤدي بالتالي إلى انتفاخ الخلايا حيث تعاني من تغيرات وظيفية وتركيبية تنعكس على الأعضاء المصابة خصوصاً القلب.
دعم للأسرة
وبسؤاله عن كيفية مساعدة الأسرة التي ظهر فيها المرض قال دكتور محمود إن هذه الأسرة الصابرة هي أكبر أسرة في العالم لديها أفراد أحياء مصابون بمرض «دانون» في الوقت الحالي، وهو ابتلاء شديد إذ أن هذا المرض ليس له علاج ناجع إلا زرع القلب وهو شيء شبه مستحيل حاليا.
بالإضافة إلى أن نفقات متابعة المرضى الدورية بالأشعة والتحاليل وتكاليف العلاج الباهظة حتى بدون زرع للقلب ينوء بها كاهل أي أسرة مهما كان مستواها المادي، ونوه بأن المكان المناسب القادر على متابعة وعلاج المرضى من هذه الأسرة لابد أن يتوافر فيه التعاون والتكامل بين الشق الطبي الإكلينيكي والشق البحثي الأكاديمي وهو ما يتوفر في جامعة الشارقة وهي أيضا قريبة من مكان إقامة تلك الأسرة.
وقال انه قد عرض الأمر على الدكتور أسامة مهدي رئيس قسم القلب بمستشفى جامعة الشارقة والذي أبدى استعداده التام لمساعدة مرضى هذه الأسرة شريطة موافقة الجهات الصحية في الدولة أو إدارة جامعة الشارقة على تحمل تكاليف الفحوص والعلاج لهــؤلاء المرضـى.
أعراض المرض
يعاني المريض من صعوبات شديدة في التعلم والتحصيل الدراسي مع ضعف بعضلات الجسم وأحياناً عيوب بالبصر نتيجة تغيرات مرضية بشبكية العين، ولكن ما يجعل المرض مميتاً هو اعتلال عضلة القلب، ولذلك فنادراً ما يعيش المريض فوق سن الخمسة والعشرين عاماً بدون إجراء عملية زرع للقلب.