لا يختلف اثنان في تقييم رواية «قصة مدينتين»، لكنهما يختلفان حول المكان المناسب لها في صرح الأدب العالمي. فهي ليست أفضل ما قدم تشارلز ديكنز للأدب. كما أنها لا تتمتع بما يميّزها عن الروائع العالمية الأخرى لتتقدمها. ومع ذلك، تقدمت وتهادت في سيرها، وصولاً إلى الرقم (1)، في العالم كله. إذ بلغت مبيعاتها 200 مليون نسخة! ومثل هذا الرقم لم يحرزه الكتاب منذ ميلاده حتى الوقت الحالي. فما سبب هذا الانتشار الكبير؟

واللافت في العمل، أنه وبتضحية كارتون بنفسه، نجد ديكنز يقدم حلاً، وهو الحب. الحب حين يتسامى ويقود إلى الأعمال العظيمة التي تعود بالخير على الجميع. إذ ضحى كارتون بنفسه لينقذ عائلة بريئة أحبها كأنها عائلته. وقال ديكنز في هذا الصدد، لصديقته ماري بولين، إن أحد أهدافه في هذه الرواية، التحدث عن الحب.. عن سحر تلك العاطفة التي تتملكنا وتسير بنا إلى الخلاص حين يحيط بنا الهلاك.

حبكة ومضمون

لندن سنة 1775: تعرف الشابة لوسي أن والدها الدكتور مانيت لا يزال حياً. بعد 18 عاماً، تعلم أنه كان مسجوناً في سجن الباستيل، وهو موجود في رعاية خادمه القديم، مسيو ديفارج.

باريس سنة 1775. يسقط برميل خشبي وينكسر أمام حانة مسيو ديفارج في حي «سان أنطوان». وإذا بالرجال يركضون إليه لارتشاف النبيذ السائل وتسارع النساء إلى مسح الأرض بالمحارم وعصرها فوق أفواههن. وبينما هم يلعقون النبيذ كالعسل، تقف عربة أمام الحانة وتنزل منها لوسي وجارفيس لوري، الوصي الذي تولى رعايتها مع الآنسة بروس، بعد اختفاء والدها وموت أمها.

يقودهم ديفارج إلى غرفة، فوق سطح الحانة، في داخلها كهل منهمك في صنع حذاء لسيدة شابة. يسأله لوري: ما اسمك؟ يجيبه: الزنزانة 105. يسأله مستغرباً: ألا تذكرني؟ أنا صديقك جارفيس لوري، الموظف في بنك تلسون. لا يرد عليه . تقترب لوسي وتضع يدها فوق يده. وعندما يقع نظره على شعرها الأشقر الطويل، يحدق به ويتلمسه، ويسألها: من أنت؟ لا تتمالك لوسي نفسها، تضم رأسه لصدرها وتقول: ستعرف قريباً. أريد منك أن تباركني. سآخذك معي لتعيش في سلام.

مرحلة جديدة

تتحسن حالة الدكتور مانيت في لندن، ويعود إلى ممارسة عمله كطبيب، لكنه لا يتخلى عن أدوات صنع الأحذية، المهنة التي تعلمها في السجن. وتستدعيه المحكمة مع ابنته، كشاهدين في قضية تشارلز دارني، المتهم بالخيانة. وهناك تبكي لوسي، خوفاً من أن تسيء إفادتها إلى المتهم الذي ساعدها على الاعتناء بوالدها.

ينقذ سيدني كارتون، مساعد سترايفر، محامي الدفاع، دارني من العقوبة. ويقف أمام القضاة ويطلب من الجاسوسين اللذين اتهما دارني بأنه أعطى معلومات عن الجيش الإنجليزي في أميركا إلى عميل فرنسي، أن يحددا من شاهدا: هو أم تشارلز دارني؟ كان الاثنان يشبهان بعضهما كأنهما توأمان! في الجلسة، يتأثر سترايفر وكارتون ودارني ببكاء لوسي.

في باريس يخرج الماركيز إيفرموند من القصر غاضباً، ويقود عربته كالمجنون. يشعر بالسرور وهو يرى الناس يهربون كالنعاج المذعورة.. وعندما تدخل العربة حي سان أنطوان، تصدم صبياً وتقتله. ينظر الماركيز ببرود إلى الصبي الميت والناس حوله، ثم يرمي قطعة نقود ذهبية ويمضي في طريقه. يتابع الناس عربته بعيون ذاهلة. يصل الماركيز إلى قصره وينتظر ابن أخيه. يدخل تشارلز دارني ويتناقش معه في أمور العائلة. وفي صباح اليوم التالي، يجده مقتولاً في سريره.

في لندن يتزاحم كارتون مع شبيهه دارني، على لوسي، ويُشغف بها. لكنها تختار دارني.. وسرعان ما يتسامى فوق آلامه ويهنئ لوسي ويعدها أن يكون صديقاً حميماً لها ولزوجها. وفي ليلة الزفاف، يكشف دارني للدكتور مانيت حقيقته واسم عائلته، فينزعج الدكتور ويفقد ذاكرته ويعود إلى صنع الأحذية. تمر الأيام وترزق لوسي بطفلة.

في باريس، تندلع الثورة الفرنسية ويحرق الثوار القصور ويصفّون النبلاء. وعندما يقتحمون سجن الباستيل، يذهب ديفارج إلى الزنزانة 105 ويبحث عن الوثيقة التي كتبها الدكتور مانيت.. ويجدها في المدخنة. ويعتقل الثوار غابل وكيل دارني. فيسافر دارني إلى باريس ليحرره، لكن الثوار يعتقلونه لأنه أرستقراطي مهاجر.

ثلاث تهم

يلحق به الدكتور مانيت، مع ابنته وحفيدته والآنسة بروس ثم كارتون، فيستقبله الثوار استقبال الأبطال. ويطلقون سراح دارني، ثم يعتقلونه. يحاكمونه في اليوم التالي، بثلاث تهم، تقدم بها ديفارج وزوجته والدكتور مانيت. يقدم مسيو ديفارج الوثيقة التي كتبها الدكتور بخط يده. وجاء فيها، أن الماركيز إيفرموند (والد دارني)، أخذه مع أخيه، إلى منزل في داخله شابة مقيدة على السرير.

 كانت تبكي وتصيح: زوجي.. أبي.. أخي. وعلى الأرض، كان شاب ينزف بغزارة. وعندما انحنى الدكتور ليعالجه، قال الشاب: "طلب الماركيز أختي للمتعة، لكننا رفضنا. فقتل والدي وزوجها وجرّها إلى هذا المنزل. ...". يطلب مانيت في نهاية الوثيقة، أن تصيب اللعنة من السماء، سلالة إيفرموند كلها.

يحكم على دارني بالإعدام، ويكتشف كارتون أن مدام ديفارج ستقتل لوسي وابنتها. ولم تغادر لوسي باريس، وتترك زوجها وحده. ويخرج دارني من فرنسا بلباس وأوراق كارتون، ويبقى كارتون بلباس دارني في الزنزانة.

ديكنز قصة مدينتين

أثارت هذه الرواية، جدلاً كبيراً في الساحة الأدبية. وانتقدها الروائي الشهير إي. أم. فورستر، وقال: «إن شخصياتها سطحية، وتفتفر إلى العمق والدوافع التي تجعل الشخصية الأدبية واقعية ومقنعة». ورد ديكنز على تلك الانتقادات، موضحاً أنه حين بدأ كتابة الرواية، استحوذت الفكرة عليه، بدل أن يستحوذ عليها. وراحت تسيّره بدل أن يسيرها، فلم يهتم ببناء الشخصيات، وإنما بالأجواء السائدة في لندن وباريس.

 في المسرح

2013 مسرحية «قصة مدينتين» على مسرح كينغز هيد في العاصمة البريطانية، لندن.

1968 ثلاث مسرحيات موسيقية، في أعوام: 1968 و1977 و2012.

2006 مسرحية «مدينتان». كتب نصها المسرحي والأغاني، هورد غودبال وجونا ريد. وجرى فيها نقل الأحداث من باريس إلى موسكو، والثورة الروسية بدل الفرنسية.

2007 مسرحية «قصة مدينتين» 2009-2007، قدمت على مسارح: برودواي ومسرح ساراسوتا ومسرح بريتون كونشيرت في أميركا. فازت بثلاث جوائز كأفضل مسرحية موسيقية.

في الأوبرا

1957 أوبرا «قصة مدينتين» من ستة فصول كتب نصها آرثر بنجامين ووضع ألحانها سادلير ويلز.

2008 أوبرا «قصة مدينتين»، على «مسرح باليه الشمالي»

في ليد، بريطانيا.

في التلفزيون

1957 ثلاثة مسلسلات تلفزيونية، أنتجتها «بي. بي. سي» سنة 1957 و1965 و1980.

1989 مسلسل تلفزيوني أميركي. تمثيل جيمس ويلبي وسيرينا غوردون.

1980 فيلم تلفزيوني «قصة مدينتين» تمثيل كريس ساراندون وأليس كريغ.

في السينما

1911 أربعة أفلام صامتة، أميركية وإنجليزية: 1911 و1917 و1922 و1930.

1935 فيلم «قصة مدينتين» إنتاج أميركي. إخراج جاك كونواي.

1958 فيلم «قصة مدينتين» إنتاج إنجليزي. إخراج رالف توماس.

1991 فيلم «قصة مدينتين» إنتاج إنجليزي فرنسي. إخراج فيليب مونيير.