يعود الزائر إلى رحاب جماليات عوالم الفن التشكيلي من خلال زيارته المعرض الخاص بالفنانة الشابة نور بهجت السورية المقيمة في الإمارات، لتقدم من خلاله نتاج مشاركتها في برنامج «الفنان المقيم» الذي أطلقته غاليري «أيام».
وما يستوقف في معرض نور الذي ضم ما يزيد على 45 لوحة بأحجام مختلفة، عمق تجربتها الفنية من حيث المضمون والأسلوب مقارنة بعمرها وهي التي تخرجت حديثا وبتفوق من كلية الفنون الجميلة بدمشق.
ويشكل هذا المعرض الذي يستمر حتى 15 سبتمبر الجاري، وقفة للزائر مع نفسه حيث تتولد خلال جولته وانتقاله من لوحة إلى أخرى العديد من تساؤلات الحياة المعاصرة، لتخلق وجوه شخوص اللوحات من نساء وأطفال، في داخله حالة من الإرباك والقلق، خاصة تلك العيون التي تحدق في وجه المشاهد بجرأة صريحة مربكة توازي جرأة الفنانة في الرسم وعلاقتها بالألوان.
تحولات ورموز
كل لوحة بمثابة حكاية، لتسرد ثلاثية منها قصص نساء وعلاقتهن بالزمن والمحن، لنجد أنهن يتبدلن من حال إلى حال بين لوحة وأخرى ليربط بينهن هاجس الموت والفقدان. ومن أبرز الرموز في أعمالها الكرة الأرضية التي تارة ثابتة على حاملها وأخرى منفصلة ليتحول تجاه الجمجمة المرافقة لها، إلى جانب ساعة بلا عقارب وزجاجات عديدة دوماً فارغة تحصي جمود حالة الانتظار الطويل.
جرأة الألوان
والحديث عن تقنياتها قصة بحد ذاتها تجمع بين الكثير من المحاور، من قدرتها على التقاط تعابير الوجوه والحالة بأسلوب يميل إلى الاختزال لصالح الانطباع العام ليجمع بين الفن الانطباعي والتعبيري، كذلك براعتها في معالجة الألوان الغنية والتي تتعامل معها بجرأة صادمة في بعض الأحيان من البورتريهات الصغيرة التي تشغل مساحة جدار كامل والتي تشكل ما يشبه بانوراما للمشاعر الإنسانية الداخلية، إلى استخدامها وسائط فنون متعددة أبرزها الكولاج بأسلوب يغني فكرة عملها والتكوين الفني. وتجمع في بعض لوحاتها بين الألوان الباردة والحارة، ليقتصر البعض الآخر على الألوان الباردة والحيادية غالباً خاصة في خلفية بعض اللوحات بهدف إبراز مضمون العمل.
محراب نور
وتستمر جولة الزائر إلى نهاية القاعة التي يصل من خلال دهليز ضيق إلى ورشة عمل أو استوديو الفنانة نور التي أمضت ما يقارب من تسعة أشهر في إنتاج أعمال معرضها. وفي محراب إبداعها يكتشف المزيد من الإبداع الفني عبر لوحات أكثر كلاسيكية في معالجتها، وأكثر قرباً من الواقع بمضمونها، مع عدد من الاسكتشات والدراسات والرسومات غير المكتملة التي تشغل كل ركن من المكان.
انطلاقة حرة
ولا يملك الزائر إلا طرح تساؤلاته على الفنانة نور في مشغلها التي تقول: لوحاتي في المرسم هي من مشروع تخرجي، أي من المرحلة التي يتوجب علينا خلالها الالتزام بالقواعد الأكاديمية المطلوبة مثل معالجة الخلفية كمنظور وألوان وغيرها. لأتحرر عبر «برنامج المقيم» من الأسلوب الأكاديمي لأقترب من نفسي أكثر. وتقول نور عن أبرز الفنانين الذين تأثرت بأسلوبهم: «تأثرت كثيراً بأسلوب كل من الفنانين البريطانيين لوسيان فرود »2011-1922« وفرنسيس بيكون »1992-1909«.
تجربة
تقول نور عن أقرب الأعمال إلى نفسها: وصلت في لوحتي الخاصة ببورتريه »الطفل" على خلفية قاتمة، إلى نتائج في غاية الجمال فيما يخص معالجة الألوان حيث نتجت مؤثرات لونية بديعة وعفوية لا يمكن تكرارها. ومنها يتعلم الزائر تذوق الجمال عبر المزيد من التمعن في التفاصيل.