لا يمكن لأحد أن ينكر البصمة التي تركها الأديب السوري حنا مينه في الأدب العربي، من خلال رواياته التي اقترب فيها من نبض الشارع وهدير البحر. حنا مينه وبعد إطلالته الأولى في بداية التسعينيات، من خلال "نهاية رجل شجاع" ها هو يعود إلينا من جديد عبر "المصابيح الزرق"، والتي تمثل ملحمة وطنية تعكس نبض الشارع، وتوثق لمرحلة مهمة في تاريخ سوريا.

أحداث المسلسل

أحداث مسلسل "المصابيح الزرق" وهو من إخراج فهد ميري، تدور في الفترة بين 1939 إلى 1945، والتي نعود فيها إلى فترة الكفاح السوري ضد الاحتلال الفرنسي، وفيما يلقي المسلسل بالأحداثه الضوء على مجموعة من الشخصيات التي تتشابك في علاقاتها الاجتماعية والسياسية، ولذلك فيمكن تصنيف المسلسل في خانة الأعمال التاريخية الاجتماعية، فمن جهة يتناول العمل الفترة السابقة لاستقلال سوريا، ومن جهة أخرى، يتغلغل في طبيعة النسيج المجتمعي في تلك الفترة.

 المتابع لهذا المسلسل يلمس أنه أمام ملحمة وطنية، تتحدث عن تلاحم الشعب بكافة أطيافه وشرائحه، حيث كانت العلاقات الإنسانية آنذاك متميزة ونبيلة رغم الظلم والاضطهاد الذي كان يتعرض له أفراد المجتمع، وضمن تلك الظروف التي يعيشونها كان لابد من وجود مساحة من الحب، الذي يمكن أن نلمسه بأشكال عديدة، ولعل هذا ما ساعد الناس على طرد المستعمر الفرنسي.

كوكبة نجوم

"المصابيح الزرق" يعد بلا شك عملاً ثقيلاً من ناحية فكرته وأبطاله، حيث يضم كوكبة من نجوم الصف الأول في الدراما السورية، أبرزهم غسان مسعود، سلاف فواخرجي، أسعد فضة، ضحى الدبس، جهاد سعد، أندريه سكاف، سعد مينة، عدنان أبو الشامات وآخرون. وكذلك الفترة التي يتناولها، والتي يذهب بها كاتب الرواية (حنا مينة) إلى حدود بعيدة يخرج فيها من الإطار العام للحرب ليعكس تأثيراتها على الناس وتفكيرهم وعاداتهم.

وبالإطلاع على أجواء العمل عموماً، نجد أنفسنا أمام شخصيات جذابة تتكرر أحياناً في أدوارها لتعكس لنا حالة اجتماعية، متقلبة في مزاجها، مختلفة في وجهات نظرها، ولكن فقرها لم يمنعها من إقامة علاقات حميمية قوية، لتعكس لنا بذلك حالة النسيج المجتمعي الذي ساد في تلك الفترة، فمثلاً نجد شخصية أبو فارس "أسعد فضة" الذي يلعب دور صاحب الخان، تمثل رجلا طيباً ومحباً لعمل الخير ومساعدة الناس.

مهنته الأساسية بناء البيوت، ويستضيف في الخان عدداً من الأسر التي عانت من الفقر والظلم والاضطهاد تحت الاحتلال، في حين نجد أن شخصية غسان مسعود في هذا العمل تشبه البطل الشعبي والتي لم يسبق أن طرقت في الدراما العربية.

شخصية "رندة"

أما شخصية رندة "سلاف فواخرجي" فهي مختلفة تماماً، حيث تجسد دور شابة رومانسية للغاية، تعيش قصة حب جميلة دون أن تنسى واجبها الوطني، فيما تطل علينا "رنا جمول" بشخصية "مريم السودا" وهي إحدى نزيلات الخان مع زوجها الإسكافي (نايف)، وهي شخصية مركبة ومعقدة، فتارة تبدو عصبية المزاج تفتعل المشكلات، وتارة تبدو طيبة القلب وحنونة.

فحالة الفقر الشديد الذي تعيشه مع زوجها، تجعلها في مزاج سيئ، لكن الحب بين الزوجين يجعلهما يتغلبان على بؤسهما. فيما نجد أن شخصية أبو رزوق "زهير رمضان" مختلفة تماماً من خلال طريقة سرده لقصص خيالية لا تصدق حول مغامرات عاشها في الأرجنتين، حيث أمضى هناك فترة من شبابه.

ويبقى القول، إنه ورغم بطء إيقاع العمل الذي قد يوقع المشاهد في خانة الملل يبقى هذا العمل جميلاً ومختلفاً في اطلالته عن أقرانه من مسلسلات البيئة الشامية، التي تناولت فترة الاحتلال الفرنسي، ليبتعد فيه عن طريقة مسلسلات "باب الحارة" و"بيت جدي" وغيرها، لينقلنا إلى بيئة سورية جديدة لم يعهدها المشاهد العربي على الشاشة الصغيرة.

الأزرق الواسع

 

تعد رواية "المصابيح الزرق" واحدة من 8 روايات كتبها الأديب السوري حنا مينة، عما أسماه بالأزرق الواسع حتىّ لقب بأديب البحر، وقيل عن الرواية إنها تصور حياة جماعة من الناس البسطاء أيام الحرب العالمية الثانية ومن ورائها حياة اللاذقية، وسوريا.

وأبرز ما قيل في هذه الرواية، جاء على لسان الشاعر شوقي بغدادي، والذي قال: "إذا صحّ أن تكون لكل قصةٍ عقدة، فعقدة "المصابيح الزرق" هي أزمة الحرب"، أما حنا مينة فقال فيها: "ما عدا "المصابيح الزرق" ليس هناك أية أفكار.. تثقل أيما رواية من رواياتي".