لم يعد تعلم اللغة العبرية مرتبطاً باتهامات العمالة و«التصهين». بل تغيرت العقلية اللبنانية وتطورت لتنتج مبدأ «من عرف لغة قوم أمن شرّهم». لكن في الوقت نفسه، لا يوجد في لبنان معاهد متخصصة في تعليم هذه اللغة، ولم يستدعِ وجود إسرائيل تعلمها بشكل واسع. لكن يجري تدريسها حاليا كلغة اختيارية من بين لغات شرقية أخرى في مجال التخصص الأدبي، في كل من الجامعتين اللبنانية والاميركية، ولدى مراكز متخصصة لجماعة «حزب الله».
كما تعلّم بعض الكنائس والأديرة رهبانها اللغة العبرية القديمة لتمكينهم من قراءة التلمود وفهمه. وأطلقت بعض منتديات الإنترنت خدمة جديدة لزوارها، وهي تعليم العبرية مجاناً. ومن تلك المنتديات «دار العرب»، «المهندس» و«صوتك».
سامية الزين هي إحدى هؤلاء الطلاب الذين وجدوا من الأسهل والأنسب لهم تعلّم العبرية عبر الانترنت، وذلك لتوفر المعلومات بشكل دائم ومستمر، على حدّ تعبيرها. وكان دخولها الى موقع «صوتك» في بداية الأمر بدافع التعرّف على لغة مجهولة، وربما للاستهزاء بها لاحقاً كما تقول. ومع مرور الوقت بدأت تتعمق بدراسة جملها وقواعدها، وهي أنهت حتى اليوم ثلاث مراحل من ستة، كفيلة بأن تجعلها قادرة على الفهم و التحدث بطلاقة.
أما بالنسبة لآلية التدريس المتّبعة، فتوضح الزين بأن الأمر بيد المتعلّم. فجميع المعلومات متوفرة على شكل مجلّد يتم تنزيله على الكمبيوتر. كما تقام في كل يوم جلسة تحادث بين الطلاب القدامى والجدد، للردّ على المسائل العالقة. وفي نهاية كلّ شهر يرسل صاحب الموقع أسئلة الامتحانات للطلاب، وعلى اثرها تعلن اسماء الناجحين المرشّحين لاستكمال المراحل المتبقية.
لغة اختيارية
إلى جانب المواقع الالكترونية، يجري تدريس العبرية كلغة اختيارية لطلاب السنة الاولى في كلية الآداب والعلوم الانسانية وقسم الآثار في الجامعة اللبنانية. ويقول د. لويس عطوي، الذي يتولى تعليم هذه اللغة في الكلية، يشير إلى أن العبرية لغة اختيارية كالسريانية، والآرامية، واللاتينية. ويتوجب على طالب الأدب العربي الإلمام باحداها فهي تفيده في التوضيح والمقارنة بين لغتين، لبلورة لغته العربية.
لكن العبرية التي يجري تعليمها هي اللغة القديمة التي تختلف عن تلك المحكية الآن في إسرائيل، وتشبه إلى حد ما اللغة السريانية. ويضيف «من ضمن المشاكل التي تعانيها تلك اللغة، تدريسها خلال خمسة وأربعين حصة في السنة، وهي مدة غير كافية إلا لفك الأحرف، فيبقى الطالب مقصراً عن التحدث فيها أو فهمها».
ولا يلمس عطوي لدى طلابه رغبة بتعلّم العبرية، فاهتمام معظمهم ينحصر بمحاولة النجاح بها، لازاحة عبئها كلغة مطلوبة. ويوضح ان فرص عمل من يتّقن هذه اللغة ضئيلة، وهي تقتصر على التدريس، وبعض الحالات النادرة. من هذه الحالات مثلا «ما جرى معي لدى طلب الجمارك اللبنانية مني ترجمة ما كتب على بضائع مهربة».
ويقول الطالب في الجامعة اللبنانية محمد مروة إنه أختار اللغة العبرية نظرا لغرابتها وحساسيتها على صعيد المجتمع اللبناني. لكنه لا يرى فيها منفعة فكرية ولا مهنية في المستقبل «ما نتعلّمه هنا في الجامعة غير كاف، وربما كان من الأفضل إنشاء مركز لتعليم كافة اللغات، لكي يعود لبنان فعلاً منارة للشرق وملتقى الحضارات والثقافات».
إعرف عدوّك
ويبدو أن تعلم اللغة العبرية ينتشر لدى شبان حزب الله، كما يوضح نبيل فقيه، أحد الخبراء بالشؤون الاسرائيلية في الحزب. ويقول فقيه إنه تعلم العبرية عندما كان عضواً في إحدى حركات المقاومة التي نادت آنذاك بمقولة «إعرف عدوك». وقد طور معرفته بها لاحقاً، عبر متابعته اليومية ورصده الدائم للقنوات الإخبارية الإسرائيلية.
ويشرح فقيه أن هذه اللغة تختلف كثيراً عن باقي اللغات. فحروفها ال28 مثلا تختلف رسماً ولفظاً، وهي تقسم إلى نوعين: اللغة العبرية القديمة، وهي الاقرب إلى اللغة العربية، واللغة العبرية الحديثة، وهي أقرب إلى اللغة الإنجليزية من حيث ألفاظها وتركيبها اللغوي.
بيروت - محمد حرشي - (تنشر بترتيب خاص مع «السفير» )