بعد حملة دبلوماسية وقضائية أطلقتها القيادة الفلسطينية في عام 2014، أصبحت دولة فلسطين في الفاتح من شهر أبريل الماضي عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، ما يعتبر خطوة مهمة في مسيرتها لملاحقة مسؤولين إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في حق الفلسطينيين طيلة عقود من الزمن.
لكن برغم هذا الانضمام، لم يتمكن الفلسطينيون إلى الآن من وضع القادة الإسرائيليين في قفص الاتهام بالمحكمة الدولية، ولم يبدأ القضاء الدولي بعد دراسة الملف الفلسطيني، وتساؤلات كثيرة تفرض نفسها بخصوص مدى نجاح هذه الخطوة والدور الذي يمكن أن تؤديه الأسرة الدولية لإتمام ذلك، وخاصة العرب منهم.
تغير معطيات
فادي فاضل، أستاذ القانون الدولي وعميد المعهد الأميركي لإدارة الأعمال بباريس، يرى أن «الفلسطينيين يمكنهم مقاضاة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لحرب غزة الأخيرة في عام 2014، وليس لحربي 2009 و2010».
ويرجع المختص في القانون الدولي المقيم بالعاصمة الفرنسية باريس ذلك إلى أنه في الواقع، خلال حرب غزة الأخيرة، فلسطين كانت دولة معترفاً بها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا ما يغير المعطيات من الناحية القانونية.
ويرى فادي فاضل عدم عضوية الدولة العبرية في اتفاقية روما التي تضم إلى حد الآن 123 دولة، لن يمنع المحكمة الدولية من التحقيق في القضية بقوله: «محكمة العدل الدولية يمكنها التحقيق على أراضي الدولة الشاكية (موقعة على اتفاقية روما)، حتى ولو كانت الدولة الأخرى المتهمة بارتكاب جرائم لم توقع على اتفاقية روما».
ويؤكد فادي فاضل الدور والمسؤولية التي تقع على عاتق الدول الأوروبية التي يعترف الكثير منها بفلسطين دولةً، بخصوص هذا الملف، وملاحقة قادة إسرائيليين، ويقول: «إذا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في ختام تحقيقاتها لوائح اتهام ضد أشخاص إسرائيليين، فهؤلاء يجب أن يسلموا للمحكمة إذا كانوا على تراب الدول الأوروبية الأعضاء في اتفاقية روما».
تقدم توافقي
من جهتها، تؤكد الدكتورة ريم عبشة، محكم دولي معتمد وعضو المجلس الأمريكي للقانون والتحكيم التجاري بباريس، هذه النقطة، حيث تقول: «لا شك في أن وضع الدولة الفلسطينية قد تحسن كثيراً على الساحة الدولية، فقد أصبحت فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وانضمت إلي «يونيسكو»، وأيضاً إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه تقدم توافقي، وكمية الجرائم الرهيبة وتزايد وتيرة العنف من إسرائيل ضد الفلسطينيين أيضاً كل هذه الاعترافات الدولية لم تمكنها من حصولها على حكم بحقها، فبعد أكثر من 3 سنوات من تقديم شكوى في المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب من إسرائيل، أصدر المدعي العام قراراً بعدم قدرته على الفصل في النزاع».
عدم تعويل
وتضيف الدكتورة: «هذا الوضع يجعلنا نفسر الأمر على عدم الاعتراف بفلسطين دولةً في الأساس، وهذا إن حدث فالسبب الرئيس فيه هو الدول الخمس الكبار، ومحاربتها بكل الطرائق المشروعة وغير المشروعة الاعتراف بفلسطين دولةً مستقلةً، والاعتراف بحقها الأصيل في أرضها، بل إن الأمم المتحدة نفسها برغم إصدارها القرار رقم 2535 الذي يؤكد أن حقوق الشعب الفلسطيني ثابتة، فإنه يظل قراراً كغيره من القرارات لمصلحة فلسطين، ولكنها غير مفعلة دولياً».
أما عن الدور الذي يمكن أن تؤديه الدول العربية، فتقول الدكتورة ريم عبشة إن الدول العربية موقفها ضعيف جداً من القضية الفلسطينية، ينحصر في قرارات التنديد والشجب، ويجب على الدولة الفلسطينية أن لا تعول عليها منفردة، بل يجب عليها أيضاً محاولة توطيد علاقتها مع الدول الملتزمة بالقانون الدولي في أنظمتها المحلية ومؤسسات المجتمع المدني التي تتعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها قضية إنسانية وقانونية، وليست قضية سياسة تحكمها مصالح الدول الكبرى المتوافقة مع إسرائيل، ومحاولة إظهار مأساة الشعب الفلسطيني من خلال الإعلام والندوات والمحافل الدولية، حتى تكون فلسطين دولة مستقلة عاصمتها القدس.