وقع قيام روسيا بسحب قواتها من سوريا، كالصاعقة على كثيرين في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورفضت وزارة الخارجية الأميركية في البداية التعليق على الخبر، مكتفيةً بالقول، إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قد تحدث لآخر مرة مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، قبل الإعلان المفاجئ عن هذه الخطوة.
وأشارت أوساط البيت الأبيض، إلى أن أوباما، عقب اتصاله هاتفياً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بُعيد الإعلان عن «الانسحاب الجزئي» للقوات الروسية من سوريا «رحب بتقليص مستوى العنف الضروري».
وذلك بعد أن شهدت الفترة الماضية، الإعلان عن وقف إطلاق النار الذي تم، أخيراً، وإحراز بعض التقدم على مستوى إيصال المساعدات الإنسانية، لكنه أبلغ بوتين أن المضي في ممارسة الأعمال العدائية من قبل النظام السوري، يعرض للخطر، العملية السياسية في سوريا بقيادة الأمم المتحدة.
بين التريث والتوقع
وتعاملت بعض قوى المعارضة بحذر مع التطورات الأخيرة، حيث قال بسام حاج مصطفى قائد ألوية نور الدين الزنكي: «لم أحتفل بعد بالخبر، لأنه قد يكون تكتيكاً بقصد الإلهاء، من قبل الروس. نحن لا نثق بهم، لذا، علينا أن نتوخى الحذر».
وأضاف دبلوماسي إقليمي مقرب من روسيا ونظام الأسد، بالقول: «الجميع مصاب بصدمة. وأنا واثق 100 في المئة من أنه لم يكن أحد يعلم شيئاً عن هذا الموضوع قبل اليوم. علينا أن نعرف العدد الذي قاموا بسحبه فعلياً، فالأمر لا يصبح منطقياً، إلا إذا كانوا واثقين بأنهم سيعقدون صفقةً في جنيف. لذا، أعتقد أن الأمور إما تتجه نحو توقيع اتفاقية مستدامة في جنيف قريباً، أو أن الأمر برمته مجرد مسرحية».
وأكد الكرملين من جهته، أنه سيبقي على الجيش الروسي في سوريا، وأن طائراته ستواصل مراقبة اتفاقية وقف النار والتأكد من تطبيقها. ولم يكن التدخل الروسي بالنسبة لبوتين، إلا وسيلة للتأكيد على دور موسكو كقوة تتمتع بإمكانية الحسم في المسائل الدولية، في الوقت الذي يشير منتقدو سياسة أوباما حيال سوريا، بالقول إن التراخي الأميركي ترك فراغاً استراتيجياً استغله الكرملين.
وأصبح بإمكان بوتين، عقب الجهود الروسية المشتركة مع الولايات المتحدة، في التوسط لتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في سوريا ومراقبة تنفيذها، أن يبلغ شعبه بأن المهمة قد نفذت.
خلفيات القرار
ويسلط الإعلان الروسي، الضوء على الأسد نفسه. وقد كشف مسؤولون روس وأجانب مطلعون على دبلوماسية موسكو حيال سوريا، أن روسيا شعرت بالإحباط، جراء عدم إظهار الأسد مرونةً أكبر في تبني المساعي لإيجاد حلّ سياسي للصراع.
وكشف بوتين أن إعلان بلاده عن الانسحاب الجزئي، هدفه تعزيز فرص التقدم على المسار السياسي، وقال: «آمل أن يشكل إعلان اليوم، مؤشراً جيداً لجميع الأطراف المتصارعة، وأتمنى كذلك أن يؤدي إلى زيادة مستوى الثقة بين جميع أطراف الصراع، ويسهم في التوصل إلى حل سلمي للأزمة».
وأشار الكرملين إلى أن بوتين ناقش مسألة وضع حدٍ للأعمال العدائية في مكالمة هاتفية مع الأسد، حيث اتفق الجانبان على أن وقف إطلاق النار، قد ساعد «إلى حد كبير، على تقليص سفك الدماء في سوريا». وقد أعرب الأسد عن أمله بحصول انطلاقة سريعة للعملية السياسية في البلاد.
واتخذ الناشطون السوريون موقفاً حذراً من التطورات، وأعرب الناشط محمد السباعي من قلب حمص، عن عدم تصديقه تخلي روسيا عن الأسد، لكنه قال: «إذا تراجعت الغارات الجوية، ورفع الحصار عن المدن، فإن ذلك سيخفف الضغط عن الشعب السوري». وشاركه الرأي الناشط في قوى الدفاع المدني السوري، أنمار النجار، مضيفاً أن «أكثر من 90 في المئة من الغارات الجوية، تنفذها الطائرات الروسية».
حين بدأت موسكو حملة التدخل العسكري في سوريا الخريف الماضي، أكد المسؤولون الروس، أن لا نية لديهم للبقاء أكثر من أربعة أشهر، إلا أن الحملة كانت أقل نجاحاً من المتوقع، علماً بأنه منذ بداية هذا العام، ساعدت الغارات الجوية الروسية، قوات الحكومة السورية، على قلب مجرى الأحداث، واستعادة المناطق من قوات المعارضة المسلحة.
مصالح
تزامن الإعلان الروسي عن الانسحاب من سوريا، مع سعي القوى الخارجية لإيجاد أرضية مشتركة، تهدف إلى تحويل الوقف المؤقت للأعمال العدائية إلى حل سياسي. وأشار ناشطون سوريون، إلى أن سلاح الجو الروسي، كان يقصف بشكل عشوائي، وأنه لم يستهدف في المراحل الأولى مواقع «داعش»، على الرغم من وصف موسكو لمهمتها بالقضاء على التنظيم الإرهابي.
و قال الناشط عمر الشمالي من أعزاز في حلب: «روسيا ليست حليفةً للأسد، بل للمصالح التي لديها في سوريا . إن روسيا لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها، التي إذا اقتضت إبقاء الأسد في السلطة، فسيبقى، وإذا استدعت عكس ذلك، فسيرحل».