عاش ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة أمس يوماً دامياً ثالثاً إثر استمرار المواجهات بين قوات الأمن والمحتجين والتي ارتفعت ضحاياها إلى 33 قتيلاً.. تزامناً مع دعوة لمليونية اليوم تحت شعار: »الإنقاذ الوطني« في كافة محافظات مصر للمطالبة بإقالة حكومة رئيس الوزراء عصام شرف وتحديد جدول زمني لنقل السلطة، فيما حاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة تلطيف الأجواء عبر إصدار قانون العزل السياسي لمن أفسدوا الحياة السياسية في مصر، نافياً محاولة قيامه بفض اعتصام المتظاهرين، متهماً «البلطجية» بقتل المعتصمين.
وتواصلت لليوم الثالث على التوالي الصدامات بين قوات الأمن والجيش والمحتجين في ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة. وتجددت الاشتباكات صباح أمس بعد هدوء حذر ساد بعض الساعات الأولى. وتركزت المواجهات مع الشرطة في محيط وزارة الداخلية والشوارع المحيطة والتي تحولت إلى ما يشبه ساحة حرب، إثر تجمع العشرات من المتظاهرين في شارعي منصور ومحمد محمود وقاموا برشق القوات بالحجارة والزجاجات الحارقة (المولوتوف) وردت قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع والحجارة. وذكر شهود عيان وتقارير إخبارية أن حريقاً هائلاً شب في طابقين بالعمارة رقم 167 بشارع التحرير الموازي لشارع محمد محمود المؤدي إلى وزارة الداخلية نتيجة إطلاق القنابل المسيلة للدموع التي سقط بعضها في إحدى الشقق. وكانت هدنة عقدت لبعض ساعات الليلة قبل الماضية بين قوات الأمن والمعتصمين إلا أنها سرعان ما تلاشت عقب محاولة قوات الأمن فض الاعتصام بالقوة مرة أخرى، ما حدا بالمتظاهرين تنظيم صفوفهم في شوارع جانبية وعادوا للسيطرة على الميدان.
ومن جانبها قامت اللجان الشعبية بوضع متاريس حديدية جديدة حول الميدان وجميع الشوارع المؤدية له، كما قامت بتفتيش كل من يدخل الميدان لمنع دخول عناصر خارجة على القانون. وأفاد الموقع الإلكتروني لصحيفة «الشروق» المصرية عن أطباء متطوعين في مستشفى ميداني أقامه المتظاهرون بالميدان قولهم إن العديد من المتظاهرين وصلوا إلى المستشفى الميداني فجر أمس وبهم إصابات برصاص حي إضافة إلى العديد من إصابات بالرصاص المطاط والخرطوش، واختناق العشرات بالغاز المسيل للدموع.
مسيرة حاشدة
وشهد الميدان عصراً مسيرة حاشدة انطلقت من منطقة وسط البلد، منددة بالأحداث الجارية وسقوط المئات من المصابين والضحايا. وطالبت المسيرة المجلس العسكري بتسليم السلطة فوراً حقناً للدماء وإقالة رئيس الوزراء عصام شرف ومحاسبة وزير الداخلية منصور عيسوي والتحقيق مع المتورطين في قتل المتظاهرين خلال الأحداث الأخيرة. وانضمت مسيرة حاشدة إلى الميدان في وقت لاحق ضمت آلآف الطلاب وأعضاء بعض القوى السياسية للتضامن مع المعتصمين.
نشاط المحافظات
وفي محافظة الإسكندرية، تم تشييع جنازة الناشط بهاء السنوسي بحضور آلاف الأشخاص.
وشارك أكثر من ثلاثة آلاف شخص في مسيرتي احتجاج في المدينة بعد الجنازة توجهتا الى مبنى مديرية الامن في المدينة حيث قتل ناشط الليلة قبل الماضية ورشقوا المبنى بالحجارة وردت عليهم الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع والحجارة. وذكرت مصادر أمنية في المدينة ان الشرطة ألقت القبض على نحو 78 ناشطاً حتى الآن.
وأكد نشطاء سياسيون في محافظات الغربية والشرقية وكفر الشيخ ودمياط والمنيا، في اتصالات هاتفية مماثلة مع وكالة «يونايتد برس انترناشونال» وجود تظاهرات بالميادين الرئيسية بتلك المحافظات وعدد من التظاهرات حول مديريات الأمن مرددين هتافات ضد الداخلية ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وفي مدينة السويس، نظم أكثر من ألف ناشط مسيرتين في المدينة. ورشق المحتجون الشرطة بالحجارة وردت عليهم الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع.. وكذلك كان الحال في مدينة المنيا (جنوبي القاهرة) حيث تظاهر مئات النشطاء، بينهم سلفيون، أمام مديرية الامن في المدينة مرددين هتافات تطالب بإقالة وزير الداخلية. وفي الإسماعيلية تظاهر المئات تضامناً مع المحتجين في ميدان التحرير.
حصيلة القتلى
في غضون ذلك، ذكرت مصادر طبية مصرية ان مشرحة زينهم في القاهرة تسلمت 33 جثة جراء الاشتباكات. وأضافت المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، أن المشرحة هي المكان الرئيسي الذي تنقل إليه الجثث. وكانت وزارة الصحة أعلنت في وقت سابق أن عد القتلى 22 شخصاً. وقال وكيل وزارة الصحة للطب العلاجي هشام شيحة إن عدد القتلى بسبب أحداث ميدان التحرير ارتفع 22 جميعهم تحت تصرف النيابة والطب الشرعي لمعرفة سبب الوفاة. وذكر أن إجمالي الإصابات التي وقعت أمس بلغ 446 إصابة.
الدعوة لمليونية
في غضون ذلك، وجه 38 حركة وائتلافاً سياساً ثورياً إلى المشاركة في مليونية حاشدة اليوم في ميدان التحرير وسط العاصمة وميادين مصر فيما أسمته مليونية «الإنقاذ الوطني».
وحددت القوى أربعة مطالب على رأسها الإقالة الفورية لحكومة د. عصام شرف وتشكيل حكومة إنقاذ وطني بصلاحيات كاملة تتولى إدارة ما تبقى من فترة انتقالية على أن تنقل إليها كل الصلاحيات السياسية للمجلس العسكري وتحديد موعد للانتخابات الرئاسية في موعد غايته أبريل 2012 والبدء في هيكلة تامة لوزارة الداخلية تتضمن حل قطاع الأمن المركزي وضمان محاكمة من تلوثت أيديهم بدماء المصريين.
الجيش ينفي
من جهته، ذكر الجيش انه تدخل في شوارع وسط القاهرة لحماية وزارة الداخلية وليس لفض الاعتصام في ميدان التحرير.
وقال مساعد قائد المنطقة المركزية اللواء سعيد عباس إن القوات المسلحة لم تتدخل لفض الاعتصام وإنما جاءت بناء على طلب وزير الداخلية اللواء منصور عيسوي وتصديق من القائد العام للتنسيق مع الأفراد لتأمين وزارة الداخلية. واضاف ان وزارة الداخلية طلبت من الجيش رسميا ان يحميها. وأوضح أنه سيتم توفير الحماية للمحتجين في التحرير اذا طلبوها.
وأردف عباس القول إن المتظاهرين إذا رغبوا في توفير قوات تحميهم من البلطجة سيتم عرض الطلب على قائد المنطقة المركزية بحيث يصدق على هذا ونضع قوات بلا تسليح، مشيراً إلى أن «الخطوة المقبلة تنفيذ خارطة الطريق التي اعلن عنها المجلس الاعلى للقوات المسلحة بكل حذافيرها والتوقيتات معلنة سواء انتخابات برلمانية شعب أو شورى أو تعيين اللجنة التأسيسية للدستور أو الدستور أو رئاسة الجمهورية». الى ذلك، اتهم مساعد قائد المنطقة المركزية العسكرية من وصفهم بـ«البلطجية» بأنهم وراء قتل المتظاهرين». نافياً تهمة القتل عن عناصر الجيش والشرطة.
وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعلن في بيان الليلة قبل الماضية قال فيه انه يعبر عن «أسفه الشديد» لما آلت اليه الاحداث، وانه يكلف مجلس الوزراء باتخاذ ما يلزم من اجراءات عاجلة للوقوف على أسباب هذه التداعيات والعمل على انهائها ومنع تكرار ذلك مستقبلا. وأضاف أن ذلك يكون «من خلال حوار ايجابي من كافة القوى والتيارات السياسية وائتلافات الشباب على أن ينتهي ذلك في أسرع وقت ممكن».
محاولة للتنفيس
من جهة أخرى، وفي محاولة لتهدئة الأجواء، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرسوماً بقانون «إفساد الحياة السياسية». وذكر التلفزيون المصري أن القانون «سيطبق على كل من يثبت أنه أفسد الحياة السياسية في مصر». ولم يكشف التلفزيون عن أية تفاصيل إضافية.وكان رئيس الوزراء عصام شرف عقد اجتماعاً طارئاً لم يكشف عن تفاصيله، مع نائبيه علي السلمي وحازم الببلاوي ووزراء السياحة والإعلام والعدل والداخلية لمناقشة تطورات الأوضاع والمظاهرات لبحث كيفية إدارة الأزمة الراهنة. التي امتدت إلى عددٍ من المحافظات من بينها السويس والإسكندرية والإسماعيلية وأسيوط وقنا.