مع اشتداد الأزمة الاقتصادية التي تجتاح سوريا، يلجأ الكثير من السوريين إلى محلات «البالة» أو سوق الألبسة المستعملة، التي تدور حولها الكثير من الأسئلة والإجراءات الحكومية، ما يجعلها تجارة سوداء، رغم أن أصحاب المحلات يحملون تراخيص صادرة عن جهات رسمية.
وتلبي «البالة» حاجات شريحة كبيرة من المستهلكين، سواء ذوي الدخل المحدود منهم أم المرتفع نسبيا، لاعتبارات أولها أن بضاعة هذه المحال لا تقتصر فقط على المستعمل، بل على الجديد المنتهية موضته، إلى جانب أن أسعارها تكاد تكون رمزية مقارنة مع بقية المحال ذات «الفاترينات» البراقة.
10000 فرصة عمل
إضافة إلى أن هذه الأسواق تؤمن عملا لأكثر من عشرة آلاف شخص، فهي تحتل ركنا أساسيا في الأسواق المحلية، ورغم أنها مرخصة أصولا إلا أنها لا تزال محل شبهة من قبل المديرية العامة للجمارك، التي تلاحق بائعيها بين الفينة والأخرى، بحجة أن بضاعتهم تدخل البلاد تهريبا، علما أن مجلس الشعب بجلسته المنعقدة في يونيو 2001 ناقش إمكانية استيراد هذه الألبسة وخلص إلى إقرار توصيات تتمحور حول أن تكون مزودة بشهادة صحية تؤكد خلوها من الجراثيم، إضافة إلى أن تحدد الكمية المناسبة وأن يتم استيرادها من عائدات قطع التصدير، إلا أن هذه التوصيات لم تجد طريقها إلى النور وبقيت حبيسة الأدراج دون أن يؤخذ بها إلى الآن على ذمة «أصحاب الكار».
كما أن اتحاد غرف التجارة خاطب رئاسة مجلس الوزراء بضرورة استيراد هذه الألبسة بشكل نظامي، نظرا لأنها تسد حاجات ذوي الدخل المحدود وتؤمن مورد الرزق لأكثر من 10 آلاف أسرة، علما بأنهم مرخصون أصولا ويسددون ما عليهم من التزامات وضرائب بشكل نظامي.
تجار مرخصون
وأكد مروان النحاس، وهو تاجر ألبسة قديمة، أن التجار مسجلون في غرف التجارة ومحالهم مرخصة أصولا ويدفعون الرسوم والضرائب بشكل نظامي بعد أخذ موافقة كل من وزارتي الصحة والاقتصاد والتجارة للاستيراد كونها لا تنافس المنتجات المحلية، و لا مضار صحية أو آثار جانبية لها.
وأشار النحاس إلى وجود مخاوف سابقة بأن هذه الألبسة تنقل الجراثيم والفيروسات، وخاصة الإيدز، لكن ثبت أنها لا تقوم بنقل أي عدوى، موضحا أن كل كمية تخرج من بلد المنشأ مرفقة بالضرورة بشهادة صحية تؤكد سلامتها، ووزارة الاقتصاد على الاطلاع بهذا الموضوع.
تاجر آخر، فضّل عدم ذكر اسمه، أكد أن الجهات المعنية لم تمتثل لمطالبنا التي مللنا من تقديمها بالسماح لنا باستيراد «البالة» بشكل نظامي، بدلا من التعامل معها بطرق غير نظامية والاعتماد على التهريب.
وبين هذا التاجر وجود كتاب لوزارة التموين والتجارة الداخلية سابقا ـ الاقتصاد والتجارة حاليا ـ برقم 17817/1566 موجه إلى رئيس مجلس الوزراء يرى ضرورة الاستمرار باستيراد «البالة» لتلبية حاجات المستهلكين الذين لا يسمح لهم دخلهم بشراء الألبسة الجديدة، وأن وجودها في الأسواق هو لمصلحة الشريحة البسيطة ذات الدخل المحدود، وأن مؤسسة «سندس» والمؤسسة العامة الاستهلاكية كانتا تبيعان «البالة» المصادرة من الجمارك.
شهادة صحية
واقترحت الوزارة الموافقة على الاستيراد بشكل نظامي شريطة تمويل عمليات الاستيراد من عائدات تصدير الألبسة الجاهزة أو ما شابه ذلك، وأن تكون مزودة بشهادة صحية خالية من الجراثيم ومعقمة ومطهرة، وأن يتم تطبيق التعليمات النافذة من مكتب مقاطعة إسرائيل على هذا الاستيراد بشكل دقيق، إضافة لتدقيق جميع وثائق الاستيراد في حال الموافقة على ذلك من قبل أجهزة الجمارك والصحة والمقاطعة.
واعتبر بعض التجار أن هناك متنفذين من كبار التجار لديهم مصلحة بمحاربة تجارة «البالة»، خوفا من منافستهم في السوق المحلية، رغم أن الدولة تخسر من دخول هذه البضائع تهريبا، وبالتالي يضيع حقها من استيفاء الرسوم الجمركية، داعين إلى تسوية أوضاعهم مع الجمارك، ولاسيما أن الجهات الإدارية المحلية رخصت لهم أصولا لمزاولة عملهم، كما أن وزارتي الصحة والاقتصاد لا مانع لديهما من ذلك.
أحد المتسوقين أفاد بأنه يرتاد دائما سوق البالة، كونه يلبي حاجات أسرته كاملة وبأسعار لا تثقل كاهله، حيث تتراوح الأسعار بين 10 و500 ليرة سورية للقطعة الواحدة، ومعظمها بحالة جيدة وبنوعية ممتازة على حد تعبيره، مضيفا انه يقوم بغسلها وتنظيفها قبل استخدامها، خشية ألا تكون نظيفة، مؤكدا أنه يشتري معظم ملابسه من «البالة» منذ نحو عشر سنوات، ولم يلحظ أي آثار جانبية وصحية، معتبرا أن إفساح المجال بشكل أكبر أمامها سيتيح للمستهلكين خيارات أكبر.