وسط زحام الأحداث في المنطقة، وأيضا خارجها بعد أن ضرب الإرهاب الداعشي قلب أوروبا ووسط أفريقيا، ووسط سيل التصريحات التي أطلقها الزعماء والقادة حول الحرب ضد الإرهاب..

والانقلابات في المواقف السياسية، والتهديدات التي وصلت حد التحذير من حرب عالمية ثالثة.. وسط هذا كله. أتوقف عند واقعتين ربما لم تنالا الاهتمام الكافي، وإن كنت أظن أن علينا أن نمعن النظر فيهما، وأن يكونا أمامنا ونحن نتعامل مع مستجدات الموقف الذي أصبح يتغير بين يوم وليلة.

الواقعة الأولى تتعلق بالاقتراح الذي طرحه ثنائي الشؤم عضوا مجلس الشيوخ الأميركي ليندسي جراهام وجون ماكين (صاحبا الدور المشبوه في دعم الإخوان والعداء لثورة 30 يونيو في مصر)، تتفتق عبقرية ثنائي الشؤم هذه المرة عن الدعوة لتشكيل قوة عسكرية من مائة ألف جندي يكون معظمهم من دول المنطقة ذات المذهب السني (!!) .

ويضاف إليها قلة من الجنود الأميركيين لتتولى محاربة تنظيم داعش على الأرض في سوريا.

أما الواقعة الثانية فتتعلق بتصريح رئيس الوزراء الفرنسي «مانويل فالس» وهو يحذر من تنامي قوة الإرهاب وخطرها على بلاده وأوروبا والعالم، قال «فالس»– وسط هذه التحذيرات– إن العديد من المنضمين لداعش (ربما يقصد بالذات الفرنسيين والأوروبيين) قد بدءوا الرحيل من سوريا بعد الضربات الروسية، وأنهم يتجهون إلى ليبيا.. لينتهي إلى أن ليبيا ستكون المركز الرئيس لداعش في السنوات القادمة!

ماذا يعني ذلك؟

الاقتراح الأميركي لا يعني إلا تكريس حرب السنة والشيعة في المنطقة لمائة عام، تحت زعم تدمير «داعش». يقول رئيس الوزراء الفرنسي، فالس: إن ليبيا ستكون مركز إرهاب الدواعش في السنوات القادمة. والسؤال هنا: ألم نحذر من هذا الوضع منذ سنوات؟! ألم نقل إن ما حدث في ليبيا كان تكرارا لسيناريو العراق بتدمير الدولة وتركها نهباً للفوضى ومركزاً لتهديد دول الجوار.. خاصة مصر؟!

ألم يكن الخلاف بيننا وبين أميركا وحلفائها وأتباعها يتلخص في نقطتين أساسيتين:

الأولى أن إعلان التحالف العالمي (!!) الذي تزعمته أميركا، كان يحصر الحرب على «داعش» فقط ويترك باقي المنظمات الإرهابية التي انضم معظمها إلى داعش بعد ذلك، وبقي الآخرون (مثل الإخوان) يدعمون ويجهزون الكوادر، ويضربون الأنظمة، ويمثلون المصدر الفكري للإرهاب، والجسر الذي يعبر عليه الضحايا من الشباب إلى الدواعش التي لا تفعل شيئا إلا تنفيذ المخططات الأميركية، وإن ادعت العداء لأميركا والكفاح ضدها؟!.

والنقطة الثانية أن أميركا وحلفاءها واتباعها صمموا على أنهم لن يحاربوا داعش إلا في العراق فقط.. وها نحن نرى النتائج الرائعة التي حققها التحالف الأميركي في العراق (!!) الذي لم يتحرك إلا عندما اقتربت داعش من المنطقة الكردية (!!) .المخطط مستمر..

ومحاولة جر العرب إلى حرب طائفية لم تتوقف، وليبيا- رغم كل محاولات التوفيق التي نرجو لها النجاح– تتحول إلى مركز للدواعش بمن فيهم الهاربون من سوريا أو العراق. ولا حل إلا بالصمود أمام هذا المخطط حتى النهاية، ولا صمود إلا في ظل رؤية عربية ترفض الطائفية وتقاتل الإرهاب، وتدرك أن ما جرى في العراق وسوريا كان مخططا له..

وأن ما يخطط له انطلاقاً من ليبيا لا يمكن أن يمر، لأنه يعني في النهاية سقوط مصر، ولأن مصر التي أسقطت حكم الإخوان لا يمكن أن تمرر مخطط تمكين الدواعش، والأهم: أن مصر لن تكون وحدها وأن العرب لن يقبلوا مخططاً أميركياً يدعو لحرب المذاهب، ولن يرضوا بأن يكون كل ما يهدف إليه الحشد العالمي ضد الإرهاب، هو أن ينتقل مركز داعش من سوريا إلى ليبيا.