احتفالاً باليوم العالمي للغة العربية، الذي صادف 18 ديسمبر، ومع انطلاق مبادرة «بالعربي»، التي أطلقتها مؤسسة محمد بن راشد، لقد حان الوقت لأن نضع النقاط على الحروف، ونتكلم عن اللغة العربية التي تحتضر أمام أعيننا.

كل ما تسعى إليه الدولة، وتنتهجه من مبادرات وتوجهات، هدفه الوصول إلى الريادة في الفكر والعلم، بداية من أسبوع الابتكار، وإحدى النقاط العشر التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، التي وجه فيها للاهتمام بالمعلم والتعليم، وإطلاق عام القراءة، كمسمى لعام 2016 في الإمارات، كل هذه التوجهات، سنضربها بعرض الحائط إذا أهملنا اللغة العربية، فلن نحقق الريادة إلا إذا ربطنا الريادة بالفكر واللغة العربية برباط وثيق نشده معاً، فنزداد رقياً وازدهاراً بين الأمم.

ترتبط الحضارة العربية ارتباطاً وثيقاً باللغة العربية، ولن نصل إلى الريادة بدونها، والجميع يعي ذلك. نحن لا نضع اللغتين العربية والإنجليزية على كفتي ميزان، ونحاول ترجيح إحداهما، لكن ما نحاول أن نكشف عنه، هو وجوب وضع قوانين ونظم للحفاظ على أحد أجزاء مسمى دولتنا «الإمارات العربية المتحدة»، وهو العربية، فعلينا ألا نتغافل أبداً عن الاهتمام باللغة العربية، حتى في أبسط المعاملات داخل الدولة.

اللغة العربية قد تحتضر بموجب قبولنا للغات أخرى، مع أننا غير مضطرين لأن نتعامل مع كل من يدوس أرض دولتنا العربية بلغته، ونتناسى أن علينا في بلدانهم تعلم لغتهم، لكي نتمكن من العيش فيها.

وكيف لنا أن نوصف أوجاعنا للطبيب إلا بلغتنا الأم، وهذا حال البشر، فمهما تعلمنا من لغات أخرى، فإن أوجاعنا وأمراضنا لا توصف إلا بلغتنا الأم، مثلاً كلمة «مغص أو نغز»، فأين سأجد كلمة مرادفة لها في اللغة الإنجليزية، لتوصف نفس الشعور من الألم.

وحتى في التعليم، عندما نبدل أساسيات التعليم، ونقصد المنهاج، بآخر أميركي أو بريطاني، والاستعانة بمعلمين أجانب، فكيف لطلابنا أن يفهموا العلوم، وهم بحاجة إلى فهم اللغة، فتصبح المعضلة التي يواجهونها الترجمة، وليس فهم العلوم والعمليات الحسابية، فما يستغرق وقتاً طويلاً لشرحه باللغة الأم، يحتاج إلى أيام لفهمه عند شرحه بلغة أخرى، فنحن لا نريد أن نتعلم الترجمة في مدارسنا، نحن نريد أن نعلمهم العلوم والحساب.

نعاني أيضاً من ذات المشكلة في سوق العمل، فمتطلب إجادة اللغة الإنجليزية أصبح أساسياً، وفي بعض الأحيان اللغة الهندية أو الأوردو، بل تعدى الأمر إلى أن يكون أساس القبول في بعض الدوائر، وجوب اجتياز اختبار الايليتس الإنجليزي. وهنا نتساءل، هل العيب في لغتنا، وهل لم تعد مناسبة لطبيعة الأعمال؟

هل لغتنا العربية غير مناسبة لطبيعة عمل مندوب المبيعات، مثلاً، الذي أساس عمله إقناع الطرف الآخر بشراء المنتج، ولغتنا العربية لغة الإقناع، واللغة التي استخدمها الله تعالى في كتابه القرآن الكريم، واستطاع أن يقنع بها البشر لتغيير دياناتهم.

لا شك أن أموالنا غالية علينا، ولا نستطيع التفريط فيها بسهولة، وأي خطأ قد يوقعنا بالتفريط في درهم واحد من أموالنا، قد يجعلنا نعيد التفكير به مراراً وتكراراً، لكن كيف نفعل ذلك، وبعض اللوائح والنماذج البنكية تُكتَب باللغة الإنجليزية، وأحياناً نوقع عليها دون أن نفهمها، كما أن بعض موظفي البنوك لا يتحدثون العربية، وحين تتعثر في السداد، تنهال عليك المكالمات من موظفي البنك، وباللغة الإنجليزية.

أيضاً، في أبسط التعاملات اليومية من البقالة إلى المطعم إلى سيارات الأجرة، تضطر إلى التعامل باللغة الإنجليزية.

نحن في مقالتنا لا نرتب الكلمات فقط، بل نحاول المشاركة في إيضاح المشاكل التي تواجهنا، ونحاول أيضاً إيجاد الحلول المناسبة لها، فمن الحلول الممكنة، التي يجب أن نتخذها في حل أكبر المعضلات التي تهدد لغتنا وحضارتنا، هي إلزام بعض القطاعات بدراسة أساسيات اللغة العربية، والمصطلحات الخاصة بمجالهم.

ومنها على سبيل المثال، إلزام سائقي سيارات الأجرة بدراسة المصطلحات العربية، مثل الاتجاهات، وبعض جمل الترحيب والسؤال عن الوجهة، وبعض الكلمات العربية الشائعة، وأيضاً إلزام الأطباء بدراسة بعض المصطلحات العربية المستخدمة في وصف الأوجاع، وبعض مسميات الأمراض، وكذلك الحال بالنسبة لجميع الفئات، وفي شتى المجالات، علينا إلزامهم بدراسة أساسيات لغتنا، والمصطلحات المرتبطة بكل فئة على حدة.

هذا الحل يعمل على حفظ لغتنا الأم، ويساعد في انتشارها، ويساعد في نقل معارفنا وعلومنا إلى العالم، فالمصطلحات القليلة التي يتعلمها الآخر من لغتنا، قد تتطور، ولغتنا لغة جاذبة، فهي اللغة البليغة، التي تستطيع أن تحملها ما تريد من المشاعر والأفكار بسهولة، وبصورة فنية يتقبلها العالم أجمع.

لقد حان الوقت لأن نُصدر للعالم أفكارنا وعلومنا، ونشغل عقولهم بابتكاراتنا، وقد حان الوقت لنحطم الأرقام القياسية بموسوعة غينيس بإنجازات تحطم بالعقول وبالفكر وبالاختراع.

آن الأوان لأن نقول للعالم، إن علم الإمارات من الصحراء إلى الفضاء، وأننا قادرون برؤى قياداتنا، وبعزم شبابنا، أن نجعل من الإمارات منبراً للعلم.