يعتبر مشروع الشرق الأوسط الكبير، المشروع الرابع الذي قدمته الإدارة الأميركية، في ظل إدارة بوش الصغير أو الابن، خلال ولايته الأولى والثانية، حيث سبق هذا المشروع ثلاثة مشروعات، الأول منها حول رؤية بوش لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بإقامة دولة فلسطينية، تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل.

وقد تضمنت خطة الطريق التي صاغتها اللجنة الرباعية، معالم هذا الحل، أما المشروع الثاني، فيتعلق بإنشاء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة الأميركية والشرق الأوسط في غضون 10 سنوات، أما ثالثها، فيختص بنشر الديمقراطية في المنطقة.

في إطار الترتيب الزمني لهذه المشروعات، جاء مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يشمل الدول العربية، بالإضافة إلى إيران وتركيا وأفغانستان وإسرائيل، وفي بعض القراءات آسيا الوسطى، لكي يبدو كما لو كان تتويجاً لهذه المشروعات، وتطويراً لمضمونها، وتأمين تعدد الأطراف الإقليمية والدولية، سواء تلك التي تتبنى هذا المشروع، أو تلك البلدان المستهدفة به.

اعتقدت الإدارة الأميركية أنها برؤية الدولتين كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفق تصور بوش، قد أبطلت مفعول الذريعة العربية المتمحورة حول تسوية القضية الفلسطينية، وأنها بذلك تمهد الطريق لانخراط الدول العربية في المشروع الأميركي حول الشرق الأوسط الكبير.

ورغم أن معالم هذا المشروع معروفة على نطاق كبير، إلا أنه لا بأس من التذكير بخطوط هذا المشروع العريضة في السياق الحالي، حيث استند هذا المشروع إلى تلك النواقص التي شخصها تقريرا التنمية البشرية لعام 2002، 2003 في الواقع العربي الراهن، والتي تتمحور حول الحرية والمعرفة وتمكين المرأة والنسبة المرتفعة للأمية، وضعف المشاركة السياسية.

واستناداً إلى هذا النواة من المعطيات والمؤشرات، حدد المشروع أهدافه الثلاثة، والتي تتلخص في تشجيع الديمقراطية، وبناء مجتمع معرفي، وتوسيع الفرص الاقتصادية، كما يحدد كذلك أدواته اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، وهي تعزيز التدريب والمساعدة الفنية.

ودعم التعليم والمنح، وتدريب الخبراء والمساعدة المادية، ويقترح المشروع إنشاء عدة هيئات مختلفة لتحقيق أغراضه، معهد لتدريب السيدات، ومبادرة الانتخابات الحرة للتربية المدنية، ووسائل إعلام مستقلة، وإنشاء بنك تنمية الشرق الأوسط ومنبر الفرص الاقتصادية.

والأرجح أن استعانة مشروع الشرق الأوسط الكبير بالأرقام والمؤشرات التي وردت في هذه التقارير، يعكس بداية فقدان ثقة الإدارة الأميركية ومستشاريها، الذين أعدوا وصاغوا نص المشروع، في إمكانية قبوله من جانب الدول العربية على نحو خاص، وصعوبة أن ترى هذه الدول في المشروع خريطة واضحة للإصلاح والشراكة تلبي الشروط والمطالب التي تطرحها النخب الحاكمة العربية،.

وكذلك نخبة المثقفين والمفكرين العرب، مستقلين وغير مستقلين، وربما بسبب ذلك استند المشروع على تقارير التنمية العربية، بهدف تعزيز المصداقية المفتقدة على طريقة «شهد شاهد من أهلها»،.

وقد أشار إلى ذلك على نحو واضح، محرر التقرير، في رده المنشور في إحدى الصحف، على محاولة الإدارة الأميركية توظيف ما ورد في التقريرين لخدمة أهداف السياسة الأميركية في المنطقة، وأوضح كذلك أن المشروع الأميركي قد انتزع الأرقام والمعطيات من سياقها، ووضعها في خدمة خطة الإصلاح المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

ويكاد يكون من الصعب اعتبار هذا المشروع جديداً في حد ذاته، ليس فحسب لأن ثلاثة مشروعات أميركية قد سبقته في غضون العامين الذين سبقا طرح هذا المشروع،.

ولكن أيضاً لأنه عبر هذه العقود المنصرمة، كان ثمة العديد من المشروعات والأفكار التي، وإن اختلفت في أبعادها ومضمونها وتوقيتها والظروف التي طرحت فيها، إلا أنها تعكس هاجس السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية، وفرض صيغ أمنية وسياسية واقتصادية مختلفة، فكان ثمة القيادة المشتركة للشرق الأوسط، وحلف بغداد، والقمم الاقتصادية المشتركة الدولية.

وبصرف النظر عن تلك العلاقة البنائية بين مشروع الشرق الأوسط الكبير والمشروعات الأخرى التي سبقته في تاريخ علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالمنطقة، وعوامل الاستمرار والتغير في مضمونها وظروفها، فإن ما استلفت النظر، وبقوة، في هذا المشروع، هو تلك الظروف الجديدة دولياً وإقليمياً، التي يطرح فيها، وعلى نحو خاص، ذلك التحول في السياسة الخارجية الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001.

ارتكزت عملية إعادة النظر هذه إلى أطروحات ومقولات، مضمونها أن الولايات المتحدة ليست بمنأى عن الإرهاب، وأن ذلك الإرهاب مصدره العالم العربي والإسلامي، ويرتبط إنتاج الإرهاب بالنظم التسلطية والديكتاتورية، وغياب الحرية في ظل هذه النظم، وسيادة نظم تعليمية تشجع الإرهاب وتدعم إنتاجه، ولمواجهة ذلك.

فإن الولايات المتحدة الأميركية مطالبة بأن تصوغ وتبلور عقيدة أمنية جديدة، تستند إلى ما أسمي «بالضربة الاستباقية أو الحرب الاستباقية»، التي تطال مصادر التهديد المحتمل لأمن الولايات المتحدة وأمن مواطنيها، والتي ترتب عليها الحرب على أفغانستان وإسقاط نظام طالبان، والحرب على العراق لإسقاط نظام صدام حسين، وانخراط الولايات المتحدة الأميركية في حرب عالمية على الإرهاب.