يجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى مكتبه ويخط رسالة تعزية في وفاة الطالبة الجزائرية فاطمة غولام، دون أن يفوته الأمر بإنشاء عشر مكتبات تحمل اسم شهيدة الكلمة القادمة من العمق الجزائري إلى تحدي القراءة العربي، المشروع الذي أطلقه صاحب السمو ليعيد نشر ثقافة القراءة على مستوى الأمة جمعاء.

ثم يجلس سموه ثانية إلى المكتب ذاته ليصدر أمراً يتعلق بإجازات الأمومة لموظفات حكومة دبي يجعلها واحدة من أوائل الحكومات على مستوى العالم التي تخصص إجازة لمدة عام كامل للأم إذا أنجبت طفلاً بإعاقة.

كل ذلك ودبي، إمارته الحبيبة، تحتضن في وقت متزامن منتدى الإعلام العربي، الحدث الأكثر تأثيراً في صناعة الإعلام العربية منذ 16 عاماً، والمؤتمر الدولي للغة العربية الذي أصبح الآن أهم احتفالية عربية سنوية باللغة الأم في أوساط النخب الأكاديمية والمعرفية المؤثرة.

وقبل ذلك وبعده، حفلت دبي، والإمارات عموماً، بالعديد العديد من مبادرات التأثير وبناء العلاقات واستثمارها ورسم الصورة الذهنية للدولة في نفوس وعقول وقلوب الآخرين، ويكفي هنا أن تقول للناس في مشارق الأرض ومغاربها: دبي أو الإمارات حتى تعرف حجم هذا التأثير وطبيعة السمعة الحسنة التي بنتها هذه الدولة لنفسها وينتج عنها الكثير من الخير للدولة وللعالم.

وقد أصبحت دولتنا بفضل الله ثم بجهود القيادة، عضواً في نادي الدول الأكثر تأثيراً على وجه الأرض، كما أظهرت الإحصائيات الأخيرة التي نشرتها مجلة «يو أس نيوز أند وورلد ريبورت» الأميركية والتي صنفت الدولة كعاشر أكثر قوة تأثيراً على المستوى العالمي، ما يعني أن القوة الناعمة تصبح في هذا السياق الاستثمار الطبيعي لعوامل التأثير الأخرى من سياسية واقتصادية وعسكرية، خاصة أن تأثير الدولة لم ينخفض حين تم قياسه من دون العاملين العسكري والاقتصادي؛ الأمر الذي يعني أن التأثير الأخلاقي والمعنوي للدولة هو الأساس في علاقاتها الدولية والإقليمية.

هذا في السقف الأعلى، ونضيف إليه في السقف الأدنى نتائج استطلاع رأي الشباب العربي في 16 دولة عربية، الذين اختاروا فيه الإمارات أفضل بلد للعيش، وأعتبرها أكثر من ثلث المشاركين نموذجاً يتمنون أن تحتذي بلدانهم به.

لكن الأهم من هذا وذاك هو التأثير الإيجابي على صناعة القرار، وأعتقد أننا عندما نقول إنه لا توجد علاقات سلبية للإمارات مع الغالبية الساحقة من دول العالم، فهذا يكشف الكثير فيما يتصل بالتأثير الإيجابي، وقد رأينا نتائجه في التصويت على استضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ثم في التصويت على استضافة إكسبو 2020 في دبي.

القوة الناعمة ليست جهازاً أمنياً جديداً ولا رديفاً لوزارة الخارجية، كما يظن البعض، ولا تتعلق بالضرورة بالتأثير السياسي على الآخرين. إنها باختصار أن تستثمر في علاقاتك بالآخرين بشكل إيجابي وغير مرئي لتحقيق مصالحك، أولاً، ومصالحهم أيضاً. وقد تكون هذه المصالح اقتصادية، أو سياسية أو اجتماعية، أو حتى رياضية، لكنها تتحقق في جو من التوادّ والفهم المشترك.

ولا تقلقوا؛ فلدينا شيخ نبيل يتعلم منه الناس فن صناعة التأثير، كل يوم.