هل يذرف الرجال الدموع؟، نعم، يذرفها الرجال الكبار، الرجال الأقوياء، الرجال الذين امتلأت نفوسهم بمحبة الإنسان والعطاء والخير والجمال، بحيث يحرك مشاعرهم موقفٌ إنسانيٌ فيذرفون الدمع تأثراً. وهذا بالضبط ما فعله صاحب السمو «الإنسان» محمد بن راشد آل مكتوم، وهو يشاهد تفاصيل واحدة من مآسي العصر، المتعلقة بمراكب اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط.
صاحب السمو ترك نفسه على سجيتها، بلا تكلف للدموع، ولا كبت للمشاعر، ولا اعتناء بالبروتوكول، حتى اللقطة المتداولة، هي لقطة هاتف جوال، وأكاد أجزم أن سموه لو لاحظ من صورها لطلب منه عدم التصوير، فالمقصود هنا ليس إعلام الناس أن سموه ذرف دمعة في موقف إنساني مؤثر، وإنما التفاعل الإنساني العفوي المباشر مع الحالة التي كانت أمام سموه الكريم.
ومثل هذا السلوك الإنساني النبيل المعبر، إنما يصدر عن نفسٍ عظيمة نبيلة، طالما علمتنا التواضع والتراحم والرأفة مع خلق الله أجمعين، فـ «محمد بن راشد»، الذي رأيناه يذرف هذه الدموع النبيلة على معاناة بني أمته في لجج البحار، هو نفسه الذي أنار، بفضل الله وتيسيره، بصائر ودروب مئات الآلاف من المرضى الفقراء المعدمين، الذين استفادوا من مبادرات سموه الرائدة، مثل نور دبي ودبي العطاء وسقيا الإمارات، ولم يتوقف عند أحد منهم ليسأله عن عرقه أو دينه أو جنسيته، فكل بني الإنسان، عند الإنسان محمد بن راشد، بشر يستحقون الاحترام والتقدير والرعاية والحدب والرأفة.
وكم تكبر بك الرجولة يا سيدي، وأنت تعلمنا درساً جديداً في إحساس الإنسان بمعاناة أخيه الإنسان، مقتدياً في ذلك بسيد الخلق رسول الله ونبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» رواه الترمذي.
وهذه القدوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما يقدمها لنا صاحب السمو، لتكون من بعدُ درساً لنا نحن في مكارم الأخلاق وكرم النفوس ورحمة الضعيف، وأن نستذكر جميعاً أن هذه المشاعر النبيلة التي عبّرت عنها دموع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، إنما هي انعكاسٌ طبيعيٌ للقيم الأخلاقية الأصيلة لمجتمعنا الإماراتي المتراحم، القائمة على الرأفة والتعاطف والعطاء، وهي قيم نتشرف أنها بفضل الله ونعمته، مستمدة من ديننا الحنيف وشريعته السمحة، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
لكن دموع الرجال الرجال، دموع النفوس الكبيرة، لا تذرفها العيون بتعليمات، وإنما تذرف انعكاساً لما في تلك النفوس الكبيرة من حب للخير وألفة للناس وخلق رفيع وسلوك قويم، رأيناه من قبل، وسنراه من بعد، فهذا هو طبعُ شيخنا الذي جُبل عليه، طبع الكرام أبناء الكرام.
وكل ذلك لا يفاجئنا في شخصية «بو راشد»، لأنه الإنسان، وما أعظمك من إنسان يا صاحب السمو.