سمعتُ ما قالته لي والدتي، حفظها الله، وجدتي، رحمها الله، عن سرّ تسمية منطقتنا الجميلة "جميرا" بهذا الاسم، ولكني لم أقتنع بتفسيرهما، وأنا منذ طفولتي أحب الاستفسار والسؤال عن كل شيء لا أعرفه.. ومن ذلك الوقت وأنا كلمّا وجدت شهْربةً أو شهْرباً طاعناً في السنّ وممن يُعرف بالرواية وهو ثقة في نقله، فلا أتردد في سؤاله عن سر التسمية، ولكن العجيب أنّ كل الإجابات لا تتجاوز التفسيرين السابقين، فهي إما سميت بذلك  لحرارة رملها وكأنها الجمر، أو لأنّ رملها من شدة بياضه يسفر كالقمرة لأهل البحر فيعرفونها بهذه العلامة، ولهذا سأحاول تصويب أحد التفسيرين.

الاشتقاق الأول

لمناقشة التفسير الأول، وهل اسم "جميرا" مشتق من "الجمر" بسبب حرارة رمالها كما يقول بذلك كثير من كبار السن الذين أدركتهم؟ فنقول: هذا التفسير قد يصح بسبب تشابه الحروف والواقع الجيولوجي للمنطقة، ولكن يضعفه ما يلي:

أولاً: الرمال الصحراوية كلها حارة في وقت الصيف، في "جميرا" وفي أي مكان من إمارة "دبي" أو الإمارات أو أي أرض أخرى صحراوية، فلماذا لم تسم أرض غير منطقة "جميرا" بهذا الاسم وهناك مناطق في الصحراء أشد حرارة منها؟!

ثانياً: لا نقول في لهجتنا "جمرة" وإنما نبدل الجيم ياءً فنقول "يمرة"، وإذا تم تصغيرها صُغّرت بالياء ولو كانت "جميرا" من "الجمر" فستكون "يميرا" كما نقول: يبل للجبل ويمل للجمل، وغيرها كثير مما هو معروف في لهجتنا، وأيضاً في لهجة بعض أهل البحرين والكويت وغيرهم من أهالي الخليج العربي الذين يشاركوننا فيها كما هو معروف.

وعلى هذا فإنّ هذا التفسير بعيد عن التفسير الأقرب الذي نبحث عنه.

الاشتقاق الثاني

قالوا إن اسم "جميرا" مشتق من "القمرة" بسبب شدة بياض رمالها وسطوعه للقادمين من البحر، وهو الاشتقاق الأقرب إلى قلبي، لأنّ آلات البحث والتفكير لديّ تقربه جداً، ولكن لا ألزم به أحداً لأنه رأيٌ يؤكد ما قاله السابقون من أهل الرواية، ويقوّيه ما يلي:

أولاً: رمال "جميرا" الطبيعية البيضاء الساطعة في الليل كالليلة القمَرة، والعرب تقول: ليلة مقمرة وقمراء وقمَرة إذا كانت مسفرة، وقد وصفوا كثيراً به فقالوا: سحابٌ أقمر أي شديد الضوء وأتان (حمارة) قمراء بيضاء.. وهكذا. ومن المعروف أن "جميرا" كان سيفها (شاطئها) مشهوراً بهذا السطوع قديماً، قبل أن يتم تغييره برملٍ ليس من أرضها منذ سنوات، فذهب ذلك الشاطئ الساحر الطبيعي ولم تعد "قميرا" كما كانت.

ثانياً: في لهجتنا نبدل القاف بالجيم طلباً لخفة الكلام، فنسمي مثلاً الطائر "الجمري" وأصله في اللغة "القمري" وهو نوع من الحمام، ولهذا قرُب لديّ أن أصل "جميرا" هو "قميرا".

ثالثاً: عندما تجمع صوتك في نطق "قميرا" و"جميرا" فإنك ستجد التشابه في الصوت، وهذا سيصح لديك إن كنت من أهالي هذه المنطقة.

رابعاً: هناك أسرة عريقة في البحرين من الكدادات بني هاجر، يسمون القمارة ويسكنون في حي القمرة أو القمارة في منطقة المحرق، والنسبة إليهم كما في اللهجة الدارجة "الجميري" بإبدال القاف جيماً، وهو يدل على حقيقة الإبدال المذكور.

وخلاصة المقال أقول: الاشتقاق الأقرب لاسم منطقة "جميرا" هو "قميرا" للأسباب المذكورة، هذا وستبقى "جميرا" بإذن الله مقمرة مسفرةً باسمةً، في ظل حكومة دبي الرشيدة وحكامنا الكرام آل مكتوم.