في مدينة تسابق المُستقبل، تستدعي الرؤى صدى التراث عميقاً، وقليل من يستطيع إدراك تلك الرؤية، بنفس الوتيرة والتناغم، فحين تم الإعلان في دبي عن متحف المستقبل، كثيرون اهتموا بدور هذا الصرح الحضاري في حفظ إنجازات العلم وتوثيقها، دون أن يتأملوا - قليلاً - في بلاغة التسمية التي جمعت مُفردات متضادة، لخصت زمنين في فكرة متناسقة وخلاقة، فكلمة متحف، الأولى، تحيل إلى كل ما هو ماضٍ وتاريخي، ونادراً ما نستخدمها خلافاً لما يحيلُ إلى ذلك، لكن في دبي، التي تفكر بروح المستقبل، تستدعي ثيمات الماضي والحاضر، وتفرشها لدرب الغد.

ثنائية الماضي والمستقبل، متوازية مع الرؤية دائماً، وهنا تكمن أهمية التراث كقنطرة نحو الأجيال الجديدة والمُقبلة، وأهمية المستقبل كحاضر منظور ومتوخى نسعى إليه.

راهناً، تتحرك في دبي قطاعات مختلفة نحو مُستهدفات إحياء التراث المستقبلية، وتوعية الجمهور بأهميته وتعريفهم بالتاريخ والموروث بكافة أشكاله، ومن أهم هذه المؤسسات الفاعلة، مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، الذي قدم مبادرات تعمل وفق الرؤية ذاتها، وإن تعددت الوسائل، فعلى مستوى الترفيه والألعاب الشعبية، استطاع إحياء مسابقات تراثية أصيلة، حركت الساحة وحماس الشباب، «يولة» ضخت دماء جديدة، وتكاملت مع مسابقات «فزاع» في الحس والشغف والمرتكزات والرؤية. إعلامياً، رددت إذاعة «الأولى»، صوت التراث نقياً، مختزناً روح الماضي بكل تجلياته، وصدى منذوراً للتراث، برز خالصاً بين مئات الأصوات في مدينة الإعلام، كما كان لمبادرات «دبي الثقافية»، إضافات نوعية من خلال مُنتج تراثي مُميز في القرى التراثية المفتوحة، وفي الفعاليات السنوية.

لكن تبقى الدراسات التراثية التي تسبر كنوز الموروث المحلي، تشوبها نواقص، فأبحاث المدونة التراثية، لم تفكك بعد المتن التاريخي ودُرره وهو نقص يلزم سده من خلال دعم الدراسات والأبحاث ومراكزها، والباحثين ومشاريعهم الثقافية، فرحلة المستقبل زادها المعرفة.