الانتخابات الأمريكية تعتمد دائماً على الاستراتيجيات والمناورات السياسية التي ترجح كفة مرشح على الآخر، فبينما كانت استراتيجية جو بايدن مع منافسه في الانتخابات الأمريكية السابقة قد تمثلت في عبارة قالها جو بايدن لمنافسه لخصت فكره تجاهه وكانت «هل يمكنك أن تصمت يا رجل»، وهي استراتيجية كان الهدف منها تقليل كلام المنافس ليجمع بايدن أفكاره ويرد عليه، معتمداً على فكرة الميكروفونات المكتومة خلال المناظرة بينهما، كي لا يقاطعه ترامب، وهي الاستراتيجية التي لخصت فكر بايدن تجاه الانتخابات، ولكن الوضع الحالي في المنافسة بين المرشحة عن الحزب الديمقراطي كاميلا هاريس، ومنافسها مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب هي على العكس تماماً من الاستراتيجية السابقة.
كاميلا هاريس تعتمد في حملتها الانتخابية وفقاً لتقرير نشرته «CNN» على إتاحة فرصة أكبر لدونالد ترامب للمقاطعة في المناظرة المقررة بينهما في العاشر من سبتمبر المقبل، كي يخطئ، والاستراتيجية تعتمد في الأساس على نظرية الاستدراج، فكاميلا تسعى لإعطاء مساحة أكبر للمرشح عن الحزب الجمهوري للمقاطعة، لتكثر الزلات والأخطاء فتستغلها ضده، عندما تجري مناظرتهما المقررة على قناة «ABC News» في 10 سبتمبر المقبل.
فمن الواضح أن حملة هاريس تأمل في إعطاء ترامب الفرصة لتخريب نفسه بمقاطعة مهينة أو بإظهار شخصيته المتسلطة، على الرغم من أن الرئيس السابق يوم الاثنين قوض موقف فريقه الخاص الرافض لمناظرة بالميكروفونات المفتوحة، عندما قال إنه سيكون سعيداً بخسارة زر الكتم، بما يعني موافقته ضمنياً على أن تكون المناظرة مفتوحة وليست مقوضة.
أهمية المواجهة
وتؤكد المشاحنات على الأهمية الكبيرة للمواجهة في تحديد السرد لبقية الحملة، بعد المناظرة الرئاسية الأكثر أهمية على الإطلاق - على قناة CNN في أواخر يونيو - التي يرى المحللون أنها كانت سبباً في إخراج بايدن من السباق على المقعد الرئاسي الأمريكي.
وهذا مهم بشكل خاص لترامب، الذي كافح للتكيف مع خصمه الجديد منذ انسحاب بايدن - الذي كان الجمهوريون واثقين من هزيمته في نوفمبر، وقد تكون هذه أفضل فرصة له لإبطاء زخم هاريس بعد مؤتمرها في شيكاغو، خاصةً أنه وفريقه يعتقدون أنها ليست مستعدة للضغط للإجابة عن الأسئلة السياسية والمتابعات من خصم مثل ترامب، الذي يرى في نفسه كفاءة أعلى من هاريس في التعامل مع المواقف بسرعة رد فعل، وهي الثقة التي تريد هاريس استغلالها للإيقاع به.
وقال المحلل السياسي سكوت جينينغز: «ترامب وهاريس كل منهما يحتاج إلى المناظرة، كلاهما لديه شيء لإثباته».
قلب مسار الحملة
هاريس وفريقها استطاعوا قلب الحملة ومسارها بتزايد فرصهم في استفزاز ترامب، الذي كانت له اليد العليا سابقاً في ذلك الأمر، أي أن استراتيجية هاريس أن تقلب السحر على الساحر، فمعظم الديمقراطيين سمعوا بما فيه الكفاية من المرشح الجمهوري، لكن هاريس تريد أن تتيح له الفرصة أكثر ليقول بالضبط ما يريد، عندما يريد في مناظرتهما المقررة على قناة ABC News في 10 سبتمبر.
وسيختبر الميكروفون المفتوح انضباط المرشح الجمهوري في مناظرة مع هاريس، في وقت يناشد فيه استراتيجيون الحزب الجمهوري أن يلتزم بالسياسة ويتوقف عن سياساته الهجومية من أجل مصلحة حملته.
وصور ترامب وهو يتحدث بفوقية مظهراً عدم احترام علني للمرأة التي لديها فرصة لتكون أول رئيسة سمراء، ستتحدث عن نفسها، وسيكون لدى هاريس أيضاً فرصة لإظهار القوة في مواجهة ترامب من خلال إعادة استخدام ردها الشهير في مناظرة بنس، ويمكن أن تؤدي تصرفات ترامب التي تبدو متحيزة أو تحمل نغمات عنصرية إلى نفور الناخبين من النساء والأقليات وسكان الضواحي الذين يمكن أن يكونوا حاسمين في الولايات المتأرجحة في نوفمبر.
وستعزز صور ترامب وهو يتصرف بشكل مزعج الفكرة الأوسع لحملة هاريس التي صقلتها خلال المؤتمر الديمقراطي الأسبوع الماضي - وهي أن الأمريكيين لديهم «فرصة عابرة لتجاوز المرارة والتشاؤم والمعارك الانقسامية في الماضي».
وقال إيان سامز المتحدث باسم حملة هاريس لـ CNN: «تريد نائبة الرئيس أن يرى الشعب الأمريكي دونالد ترامب غير المقيد لأن هذا ما سنحصل عليه إذا أصبح رئيساً مرة أخرى، أعتقد أنه من المهم في هذه الانتخابات وفي هذه اللحظة أن يرى الشعب الأمريكي الخيار بين المرشحين على المسرح».
تحدي ترامب لمقاطعة ميكروفون مفتوح لن يكون خالياً من المخاطر لنائب الرئيس، ففي عام 2016، تحدث الرئيس السابق مراراً وتكراراً فوق المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وعطل تدفق إجاباتها، مما كان أحد أهم أسباب خسارتها في الانتخابات الأمريكية، وغير مسار الحملة بالكامل ونقل الأرجحية إلى دونالد ترامب، الذي نجح في استغلال المناظرة بالشكل الأكمل، لينجح في حسم السباق الانتخابي لصالحه ويتولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
ماريا كاردونا، معلقة سياسية في CNN، اقترحت سبباً آخر لرغبة هاريس في وجود ميكروفونات مفتوحة، وهو: «بوجود الميكروفونات غير مكتومة، سيكون لديها القدرة على التحكم فيما تقوله.. وكذلك التحقق من صحة كلامه في الحال».
الخلاف حول شروط مناظرة 10 سبتمبر يكشف عن خطوط الصدع المألوفة في حملة ترامب، ويفضل أعضاء حملة ترامب أن تكون الميكروفونات مكتومة خلال المناظرة، وفقاً لمصدر مطلع على الأمر. قال كبير مستشاري ترامب، جيسون ميلر، في بيان إن الرئيس السابق قبل مناظرة ABC بنفس شروط مناظرة CNN مع بايدن، وأشار إلى أن تغيير التكتيك من جانب هاريس يشير إلى أن استعدادها للمناظرة يحمل ثغرات أو نوايا مسبقة، ميلر قال إن «النقاش حول المناظرات انتهى، من الواضح أنهم يرون شيئاً لا يعجبهم».
لكن كما يحدث غالباً، بدا أن الرئيس السابق يقوض موقف فريقه الخاص، فقال في تصريحات له: «لا يهمني، أفضل أن يكون مفتوحاً ولكن الاتفاق كان أن يكون الجميع بنفس الشروط كما كان في المرة الأخيرة»، وقال ترامب في محطة حملته في فيرجينيا، «في تلك الحالة، كان مكتوماً، لم يعجبني في المرة الأخيرة، لكنه سار بشكل جيد».
وأضاف تحذيراً: «اتفقنا على القواعد نفسها، والمواصفات نفسها، وأعتقد أن هذا ما يجب أن يكون».
والتقط فريق هاريس، الخيط منقضين على ترامب، معتبرين أن الرئيس السابق قد حل الخلاف لصالح الميكروفونات المفتوحة، وقال إيان سامز المتحدث باسم حملة هاريس: «سمعنا من فم الحصان»، في إشارة إلى موافقة ضمنية لترامب على لعب لعبة الميكروفونات المفتوحة في مناظرة 10 سبتمبر.