التدخين عادة سلبية انتشرت منذ عصور قديمة بين أغلب سكان العالم، وأسهم تنافس الشركات وتفننها في الدعايات وصناعة أنواع مختلفة من السجائر على استقطاب شريحة كبيرة من الأشخاص، ومع تزايد أعداد المدخنين يوماً بعد آخر أصبح التدخين من التحديات الكبرى التي تواجهها حكومات العالم، نظراً للأضرار التي تلحق بالأشخاص ويتطلب علاجها مبالغ طائله، وفي كثير من الحالات ينهي التدخين حياة صاحبه بمرض خطير أو موت مفاجئ نتيجة التعرض لأمراض الشرايين والسرطانات المتعددة.. ونظراً للسلبيات الكثيرة والأمراض التي يورثها التدخين انطلقت العديد من الحملات التوعوية والتثقيفية للحد من استيطان سلبياته التي باتت تهدد أكثر من ثلث سكان العالم، حيث يصادف اليوم فعاليات اليوم العالمي لمكافحة التدخين، في هذا التحقيق نقرأ عن مخاطر التدخين والتأثيرات السلبية التي يتركها في الجسم مع مرور الأيام.
انتقال الأكسجين
الدكتور أحمد الفكري اختصاصي الأنف والإذن والحنجرة تحدث عن أضرار التدخين وتأثيراته السلبية على الأنف والحنجرة، وقال إن التبغ يحتوي على 4000 مادة سامة أهمها القطران المسرطن الذي يتكون من مادة عازلة بين جدار خلايا الجهاز التنفسي والشعيرات الدموية المحيطة بها، وبالتالي تمنع عملية تبادل الغازات بين الخلايا والدم، بصورة تحد من انتقال الأكسجين إلى الدم والتخلص من ثاني أكسيد الكربون، لافتاً إلى أن ذلك يزيد من تركيز هذا الغاز بالدم واضطراب التنفس، حيث يعتبر القطران مادة مهيجة ومخربة للأغشية المخاطية التي تبطن الفم والحنجرة والبلعوم.
التهابات متكررة
وأشار إلى أن هذا التهيج يؤدي إلى التهابات متكررة ومزمنة يمكن أن تتسبب بعد مدة في حدوث الاورام السرطانية، ويعتبر غاز اول اكسيد الكربون (الخانق) وهو سم قاتل يتحد بهيموجلوبين كريات الدم الحمراء، فيمنع تلك الكريات من حمل الأكسجين إلى جميع أنحاء الجسم، وبالتالي تأثر أنسجة المخ والقلب التي تعتبر من أشد أنسجة الجسم تأثرا بنقص الأكسجين.
منوهاً بأن النيكوتين المسبب للإدمان يعمل على ترسيب الدهنيات على جدران الشرايين في المخ والقلب فتضيق فجوة الشرايين تدريجياً، ويؤدي ذلك إلى تكون الجلطات الخطيرة في القلب والمخ والتي قد تنتهي بالوفاة أو تسبب الأمراض الخطيرة، إضافة إلى ذلك يحتوي التبغ على المعادن الثقيلة والعناصر المشعة والمبيدات السامة.
طنين الأذن
أما تأثيراته على الأذن أوضح الدكتور الفكري أن التدخين يؤدي إلى زيادة نسبة حدوث التهاب الأذن الوسطى وبالتالي ضعف السمع، وزيادة نسبة حدوث الطنين وذلك بسبب التهاب الجيوب الأنفية، والبلعوم المزمن وعدم كفاءة قناة أوستاكي بسب الاحتقانات في تهوية الأذن الوسطى، كما لوحظ ان الذين يدخنون أكثر من 20 سيجارة في اليوم الواحد تصل خطورة فقدان السمع لديهم ثلاثة أضعاف الإنسان الطبيعي، وإلى جانب ذلك يزيد التدخين نسبة حدوث الشخير وذلك بسبب زيادة نسبة احتقانات الأنف والبلعوم وبالتالي تضيق المسارات التنفسية العلوية، كما يعد النيكوتين مادة سامة بالنسبة للخلايا العصبية مما يؤدي إلى ضمور أعصاب عضلات المسارات التنفسية واللهاة.
الدورة الدموية
أما تأثيرات التدخين على الجلد أوضحت الدكتورة هادية قياسة اختصاصية الأمراض الباطنية أن التدخين أحد الأسباب الرئيسية التي تقلل من كفاءة وظيفة الجلد ومقدرته على تجديد خلاياه تلقائياً، فمن المتعارف عليه من أضرار التدخين عديدة، ويتسبب في انقباض وتضييق الأوعية الدموية في الجسم.
وبالتالي تقليل كميات الدم المتدفقة مما يتسبب في حدوث خلل في العملية الأساسية التي يحتاجها الجلد ليقوم بكافة وظائفه الحيوية، والتي تتمثل في تجديد الخلايا الميتة والتخلص من الفاسدة والزوائد الناجمة عنها، مشيرة إلى أن التدخين يفقد البشرة نضارتها ويتسبب لها في حدوث التجاعيد والتكمشات وميلان لونها للاصفرار أو السواد وكثرة الدهون وظهور الندبات في بعض الأحيان.
وأضافت ان التدخين يسبب خللا في الدورة الدموية وحركة دورانها مما يؤدي إلى نقص الأكسجين في الدم والذي يحتاجه الجلد لترميم جروحه والخدوش، لذلك يفقد الشخص الذي يدخن باستمرار الوظيفة الحيوية للدورة الدموية مع مرور الوقت والتي تبدأ بتأخر شفاء الجروح التي تصيب الجلد أو الحروق التي تظهر عليه.
أضرار
أضرار التدخين لا تقتصر على مهاجمة جهاز معين، فهي تبدأ من الفم والأسنان التي تسبب لهما حدوث السرطانات في اللسان والشفه والبلعوم وتسبب الاحتقان والالتهابات المزمنة للأغشية المخاطية المبطنة للجهاز التنفسي العلوي، إضافة إلى ذلك يتسبب التدخين في حدوث سرطان الحنجرة بفعل الالتهابات المزمنة للحنجرة والتغير النسيجي السرطاني للأنسجة الطلائية المبطنة لها.
وكذلك بحة في الصوت بسبب تثخن الحبال الصوتية. وكذلك الحال مع الجيوب الأنفية إذ يعتبر التدخين من العوامل الأساسية المسببة لاحتقان الأغشية المخاطية المبطنة للأنف والجيوب الأنفية مما يزيد من نسبة العدوى والتهاب الأنف والجيوب الأنفية بعد نزلات البرد والتهاب الجهاز التنفسي العلوي الفيروسي.
75% من إصابات سرطان الفم سببها التدخين
التدخين يزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الفم والحنجرة والبلعوم والمريء وهو مسؤول عن أكثر من 75% من إصابات السرطان التي تصيب منطقة الفم، أوضح ذلك الدكتور فادي عدنان مطانس طبيب وجراح أسنان في دبي عضو الهيئة التدريسية في جامعة عجمان.
وأضاف أن تأثير التدخين على أسنان المدخن يتمثل في إصابته بأمراض الأسنان واللثة والنسج الداعمة للأسنان، وكذلك اللسان والنسج الطرية المكونة للفم، مشيراً إلى أن احتمالية فقدان المدخن لأسنانه بصورة نهائية وحدوث الآلام أو التشوهات أمر يسهل حدوثه عند المفرطين في التدخين، وطبقاً لنتائج وأبحاث ودراسات كثيرة تبين أن للتبغ والدخان آثاراً سيئة على كل أعضاء الجسم وأجهزته منها الجهاز المناعي، حيث يضعف التدخين من قدرة الجسم وأعضائه على محاربة العدوى والميكروبات والفيروسات.
وقال إن أمراض الفم تزداد بنسبة كبيرة عند المدخين وخصوصاً أمراض اللثة التي تظهر علاماتها في هيئة تورمات قابلة للنزف، إضافة إلى تغيرات في لون اللثة بفعل الترسبات والجير الذي يخلفه التدخين على الأسنان وفوق اللثة وتحتها، إضافة إلى ذلك يحد التدخين من التدفق الدموي إلى أنسجة اللثة والنسج الداعمة للأسنان.
وبالتالي تقل مقاومتها للبكتريا والأمراض وتقل قدرتها على الالتئام والشفاء، مشيراً إلى أن التدخين يعرقل عملية التئام اللثة بعد العلاج المقدم لها وكذلك قد يؤدي إلى ما يسمى الجيب الجاف الذي يحدث بعد عملية القلع وهي حالة عدم التئام الجرح والتهابه وتأخر شفائه والذي يرافقه في كثير من الأحيان آلام شديدة ورائحة كريهة.
وتجدر الملاحظة إلى أن ارتفاع معدل السرطانات والأورام الفموية يبلغ ذروته عند المدخنين الذين يتناولون الكحوليات، إضافة إلى ذلك فالتدخين قد يتسبب في فقدان حاسة التذوق بالفم أو تراجعها، ويزيد من عملية الإخفاق في فاعلية علاجات الأسنان بشكل عام واللثة وزراعة الأسنان بشكل خاص، فضلاً عن زيادة حساسية الأسنان وتراجع اللثة وانكشاف جذورها وتكون البقع الصفراء عليها.
مرض
إضعاف البصر واستنفار القلب
قال الدكتور سعيد موافي استشاري أمراض وجراحة العيون إن التدخين من العادات الضارة والسلبية التي يمارسها بعض الأشخاص، نظراً لانعكاساتها السلبية على أعضاء الجسم وخصوصاً الجهاز البصري، إذ يتسبب التدخين في حدوث العديد من المساوئ على العين يأتي في مقدمتها جفاف العين الذي يحدث نتيجة تأثير الدخان المتصاعد على الغدة الدمعية الموجودة في قبوة الملتحمة السفلى والعليا، والتي تكون مهمتها إفراز الدموع على مدار اليوم، كما يساعد التدخين على تحفيز الغدة الدمعية الرئيسية مما يؤدي إلى كثرة إفراز الدمع وحصول خلل في وظائف الغدة الدمعية، لافتاً إلى أن كثرة الدموع التي تذرفها العين قد تكون أحد أسباب عدم وضوح الرؤية.
انقباض الأوعية
وأضاف ان النيكوتين الذي تحتوي عليه السجائر يتسبب في انقباض الأوعية الدموية والشعيرات الصغرى بصورة تساعد على حدوث خلل في الدورة الدموية وحدوث احمرار مستمر في العين، كما ينتج عن هذا الاحمرار حدوث اضطراب في خلايا الملتحمة وبالتالي يؤدي إلى جفافها، ولا يقتصر أمر التدخين على ذلك بل يتسبب أيضاً في حدوث نقص الأكسجين في قرنية العين الذي يؤثر بصورة سلبية على شفافية القرنية ونقائها وبالتالي يشعر المدخن بصعوبة في الرؤية، كما يؤثر التدخين على طبقة الدموع الموجودة في القرنية والتي تتألف من الطبقة المائية والمخاطية والدهنية ويحدث خللاً في وظائفها الثلاث.
تصلب الشرايين
أما انعكاسات التدخين على عدسة العين أوضح استشاري أمراض وجراحة العيون أنها تؤثر سلباً على شفافيتها، لافتاً إلى أن العدسة تتكون من الماء والبروتين اللذين يتأثران بسهولة من كمية الدخان المتصاعدة، ما يؤدي ذلك إلى تصلبها وحدوث المياه البيضاء مع مرور الوقت، وبالإضافة إلى ذلك يساهم التدخين في زيادة الدهون الضارة بالجسم بصورة تساعد على تصلب الشرايين خصوصاً في شبكية العين، مما يعرض الشعيرات الدموية إلى التلف وفي حالات متطورة قد يتسبب ذلك في حدوث نزيف في الأوعية الداخلية للشبكية والتي تتسبب في فقدان البصر إذا لم يتم تدارك الأمر في الساعات الأولى من الإصابة به، موضحاً أن التدخين يؤثر كذلك على خلايا وأوعية الدماغ التي تعتبر العين جزأ منها وبصورة تؤثر على مراكز الإحساس في الدماغ، كما أن تأثيرات ذلك تمتد للمسارات العصبية القادمة من العين وعلى مراكز الرؤية ما يتسبب في تشويشها.
الذبحة الصدرية
أما التأثير المباشر لعملية التدخين فإنه يتمركز على القلب والشرايين، وذلك بحسب ما أكده الدكتور محمد داوود استشاري أمراض القلب والشرايين، حيث قال ان الشخص المدخن يكون أكثر عرضة للإصابة بالجلطات القلبية والذبحة الصدرية وانسداد الشرايين، وذلك بفعل التأثير السام لمادة النيكوتين التي تعمل على تضييق مجاري الأوردة والشرايين وتسبب إغلاقها في بعض الحالات، وضعف ضخ الدم للقلب الذي يكون في كثير من الأحيان في وضع مضطرب لمجابهة النقص.
كما تعمل ترسبات التدخين على تجمع الدهون وخلق بيئة مثالية لتراكمها، مشيراً إلى أن فرص إصابة المدخنين بأمراض القلب والشرايين تتضاعف كثيراً مقارنة مع الأشخاص غير المدخنين، كما يتسبب التدخين في تعطيل وظائف الرئة وتلوثها بالسموم وحدوث سرطانات خطيرة لها يصعب علاجها في بعض الأحيان.
نصائح
اتخاذ قرار عدم التدخين
من المهم أن يتخذ المدخن قراراً صارماً بالتوقف عن التدخين، والعمل على إقناع الآخرين بعدم التدخين، وتكرار مضار التدخين، فالتجمع مع آخرين ممن نجحوا في الإقلاع عن التدخين يوسع الدائرة التي اختبرت فائدتها لتشمل مساكين آخرين ممن لا يزالون تحت سيطرة التدخين القاتل والمدمر. ويا حبذا لو وضعت لافتات تطالب بعدم التدخين بلباقة تلزم القارئ بإطفاء سيجارته. ومن المهم أن يلتزم الأب أو الأم بعدم التدخين خاصة أمام الأولاد.
التوقف بالتدريج
بعض الأطباء يصفون للمدخن التوقف بالتدريج خلال 45 يوماً (شهراً ونصف) تقريباً، يمكنك اتباع هذه الوصفة التي تبدأ بتدخين عدد أقل من السجائر يومياً، ثم جزء أقل من كل سيجارة من هذا العدد الأقل، بعدها خذ عدداً أقل من الأنفاس من كل جزء تدخنه من السيجارة يومياً، يلي ذلك عدم بلع الدخان، والتقليل من عمق التدخين، واختيار صنف من السجائر يحتوي على كمية أقل من النيكوتين، بعدها اتخاذ قرار حتمي للتوقف عن التدخين.
تثقيف الناشئة
الفتية في سن المراهقة يدخنون لمجرد تقليد الكبار، أو لإيهام أنفسهم بأنهم صاروا كباراً، هؤلاء شباب سوي يقع إما فريسة أصدقاء سوء، أو ينزلق بحسن نية تحت بند التهريج، أو لمحاولة الاستكشاف، هؤلاء يسهل إقلاعهم عن التدخين، بعد عرض النتائج السلبية لما تؤول إليه أقسام الجسم من إصابات مرضية بسبب التدخين، ومشاهدة رئة المدخن ورئة أخرى لغير المدخن والفرق بينهما، هنا تكمن دور النصائح للجيل الناشئ.