بالأمس كانت المناطق البعيدة نسبياً عن المدن الرئيسية في عزلة صحية، إن جاز التعبير، وسكانها لا يجدون سبيلاً في وصول الخدمات الصحية إليهم إلا في مناسبات محددة، تلك صورة من الماضي. اليوم لا يكتفي المشهد الصحي بأكبر المستشفيات، وأسرع سيارات الإسعاف، وأحدث طائرات النجدة، وأفضل الخدمات الطبية المقدمة لسكان دبي والإمارات عموماً، من خلال مرافق صحية تندر جودتها في أكثر دول العالم تطوراً.
اليوم أيضاً، اقتربت طائرة من دون طيار، أبدعها مشعل المرزوقي وسعيد النظري، خريجا «الميكاترونكس» وإدارة الأعمال، من دخول الخدمة لتشكل إضافة نوعية وفكرة حيوية تضاف إلى سجل الخدمات الصحية المقدمة للجمهور.
جائزة الإمارات
نبعت فكرة الطائرة، من المشاركة في جائزة الإمارات للطائرات بدون طيار لخدمة الإنسان، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، العام الماضي، إذ اجتاز المبتكران مشعل وسعيد، مرحلة التصفيات الأولية وتأهلا إلى جانب 15 فكرة من بين 300 فكرة منافسة، ضمن فئة «المسابقة الوطنية»، بطموح المركز الأول.
الطائرة الصحية المبتكرة، جاءت نتاج إصرار المرزوقي والنظري، وحظيت بدعم إحدى الجهات الحكومية في إمارة دبي، حتى تؤدي خدمات نوعية وعاجلة، لم يسبق للعالم أن شهدها في هذا المجال، ومما توفره: صيدلية متنقلة للأدوية، والنقل الآمن والفوري لوحدات الدم، وتأمين الحقن والتطعيمات للمدارس، والبطاقات الصحية والتراخيص والملفات بين المستشفيات، علاوة على الوصول إلى المناطق الصعبة، وتقديم الإسعافات الأولية للمصابين، عبر حقيبة إسعافات مزودة بهاتف ذكي، متصل تلقائياً بطبيبٍ بالصوت والصورة.
سياحة علاجية
مشعل المرزوقي الذراع التقنية للفكرة، أوضح أن مبدأ الطائرة بدون طيار لخدمة القطاع الصحي، يتماشى مع توجه الدولة نحو السياحة العلاجية، وينسجم مع خطة دبي 2021 باعتبار الصحة أثمن ما نملك.
وأضاف: واجهتنا صعوبات كثيرة، فالفكرة غير مسبوقة عالمياً، وترتبط بخدمات حساسة وخطيرة، لذا تواصلنا مع شركات عالمية متخصصة، لاختيار مبرد مناسب لشكل الطائرة، ولتأمين نقل الأدوية، وحصلنا على مبرد خاص يستجيب لدرجة الحرارة اللازمة لحفظ الأدوية، ويعمل 16 ساعة متواصلة، ويتحمل درجات حرارة خارجية تصل إلى 50 مئوية.
وقال إن التحدي الآخر تمثل في نقل الدم في الحالات الحرجة، وضمان عدم تجلطه، وتم التغلب على هذه المعضلة بشراء جهاز يُحرّك الدم ويمنع تجلطه أثناء نقله في الطائرة، ليصل إلى الجهة المعنية صالحاً وآمناً وموثوقاً للاستخدام الفوري.
دقة وتحكم آلي
هذه الطائرة المرشحة للمنافسة في جائزة الإمارات للطائرات بدون طيار، محصنة عبر نظام «جي بي أس» و«غوغل ماب»، وتطير بنظام التحكم الآلي، وتحتفظ بدقة الوصول إلى المكان المحدد، ومزودة بكاميرات أمنية، وهبوطها آمن وسلس مهما كان السبب، وحالياً يجري فريق العمل دراسة التحكم بها عن طريق الإنترنت، عبر نظام أمان ضد الاختراق، بحيث يمكن للشخص أن يُطيّرها من أي مكان في العالم، لتأدية أي مهمة صحية عاجلة.
في هذه الأثناء، تمر الطائرة في مراحل إنجاز متقدمة، وقد أثبتت نجاحاً لافتاً في مختلف الاختبارات التي أجريت عليها، وطالما أنجزت الطائرة الأولى، سيكون بمقدور الفريق صنع ثانية وثالثة وأكثر، مع إمكانية تطويرها مستقبلاً، كأن يتم شحن بطاريتها بالطاقة الشمسية، وزيادة مدة الطيران، وتأدية مهام إضافية طارئة وعاجلة، في الوصول مثلاً إلى مناطق الحوادث وتزويد المسعفين بما يلزم، وسوى ذلك.
الكبار والمعاقون
المرزوقي أوضح أن الطائرة من الممكن أن تختصر في المستقبل القريب، الكثير من الإجراءات والمهام التقليدية، وستساهم حتماً في خدمة شرائح مهمة، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، الذين ينتظرون أن تصلهم أدوية بشكل دوري، فمن الممكن أن تؤدي الطائرة غرض توصيل الأدوية إلى هذه الشرائح في أوقات قياسية، وبدقة بالغة، بما يضمن عدم انقطاع الأدوية تحت أي ظرف كان. أما سعيد النظري فأشار إلى دراسات عالمية تناولت استخدام الطائرات بدون طيار في المجال الصحي، دون استخدامها على أرض الواقع لمخاطر عدة، وهو ما دفعهما للدراسة والابتكار والتغلب على التحديات، انطلاقاً من الثقة بمدينة دبي التي لطالما نجحت في اجتياز الأصعب وتحقيق الأفضل.
نجاح حصري
وأضاف: أجرينا دراسة شاملة للتكلفة الإجمالية للمشروع، ومدى فعاليته، فكانت النتائج إيجابية ومحفزة، سعياً إلى تحقيق نجاح آخر حصري، لتكون دبي المدينة الرائدة في استخدام الطائرات بدون طيار في الخدمات الصحية ووجهة مثلى للسياحة العلاجية، موضحاً أنه حصل وزميله المرزوقي، على توثيق من المعهد العالمي لإدارة الابتكار، في نشر ثقافة الابتكار في مختلف قطاعات المجتمع، وهما اليوم ينقلان هذه الثقافة إلى قطاع الصحة، أهم ركائز خدمة الإنسان وإسعاده.
مشعل وسعيد أكدا أن الطائرة ستدخل الخدمة تجريبياً في عيادات محددة، لتتسع دائرة الفائدة سريعاً، مع التأكيد على تقديم خدمات صحية نوعية وآمنة، والفكرة قابلة للتمدد من دبي إلى الإمارات والعالم، في استخدامات صحية كثيرة، وربما يكون لهذه الطائرة حضور في مرافقة فرق الإنقاذ الإماراتية التابعة للهلال الأحمر أو القوات المسلحة، والمساعدة في تقديم خدمات إسعاف في الدول المنكوبة، والفكرة تتسع للمزيد، فيما يبقى السبق إماراتياً، والطائرة من بُناة أفكار دبي؛ الإمارة المحفزة على الابتكار دائماً للبقاء في مقدمة الصفوف وتحت مسمى «الرقم واحد».
5 / 27 كيلوغراماً
واجه مشعل المرزوقي وسعيد النظري، صعوبة في تحديد الفكرة أو الغرض من الطائرة، سعياً إلى إضافة خدمات نوعية غير تقليدية، وحينما وجدا المبتغى والدعم والتأييد، انتقلا إلى التطبيق العملي في بناء الطائرة، المكوَّن هيكلها من «الفايبر» بتصميم محلي الصنع، ويبلغ وزن الطائرة فارغة، 5 كيلوغرامات، وهي قادرة على حمل 27 كيلوغراماً، والطيران مدة نصف ساعة، بسرعة 40 إلى 70 كيلومتراً، وعلى ارتفاع 500 متر، وفيها مبرد على شكل ثلاجة لنقل وحفظ الأدوية، وجهاز لتحريك الدم وتأمينه أثناء النقل، وحقيبة إسعاف وهاتف «آي فون 6 بلس»، يؤدي خدمة طبيب إسعاف «أون لاين»، وسواها من الخدمات القابلة للتطوير، لتحقيق المزيد من الإنجازات والخدمات الصحية النوعية على مستوى دبي والإمارات والعالم.