أظهرت إحصاءات محاكم دبي لعام 2017، انخفاضاً في نسبة الطلاق بين مواطني الإمارة بنسبة 11 %، مقارنة مع العام الذي سبقه، بالتوازي مع ارتفاع زواج المواطنين من مواطنات بنسبة 10 %، وزيادة أخرى في نسبة تسويات الخلافات الزوجية بواقع 2.5 %، مع انخفاض عدد القضايا الأسرية المحالة إلى محكمة الأحوال الشخصية.
وقال أحمد عبد الكريم رئيس شعبة الجلسات الأسرية في محاكم دبي لـ «البيان»، إن نسبة الطلاق بين مواطني دبي، بلغت العام الماضي 21.8 %، مقابل 32.6 % في عام 2016، مشيراً إلى أن خطة قسم الإصلاح والتوجيه الأسري في محاكم دبي لهذا العام، تستهدف رفع نسبة التسويات في المشاكل الأسرية إلى 80 %، وتقليل عدد حالات الطلاق قدر المستطاع، من خلال برامج ومبادرات، تستهدف الحفاظ على الأسرة، وحمايتها من التفكك والتشرد، وتوعية الشباب المقبل على الزواج، ومعهم «الأزواج» بقدسية العلاقة الزوجية، ودورها الأصيل في بناء مجتمع آمن ومتماسك ومستقر.
وحذر من خطورة إهمال الأزواج الإنفاق على الزوجة والأبناء، مقابل الاهتمام بأمور أخرى ليست أساسية، موضحاً أن هذا التقصير يأتي في مقدم الأسباب المؤدية إلى الطلاق، مبيناً أن غلاء المعيشة في هذه الأوقات، يشكل تحدياً كبيراً أمام استقرار الأسرة وتماسكها، ويستدعي وقوف الزوجة إلى جانب زوجها، ومساعدته في توفير احتياجات المنزل، والاتفاق على خطة مشتركة للادخار والمصاريف.
وشدد عبد الكريم على خطورة ركوب موجة وسائل التواصل الاجتماعي، وتقليد الآخرين أو مشابهتهم، والاهتمام بالمظاهر والماركات والسفر، على حساب الاهتمام بالمتطلبات الأساسية، من مسكن وتعليم وصحة، وغيرها من الحاجات الأساسية التي لا يسمح التقصير بها، مشيراً إلى أن هذا «الاهتمام الزائف»، جلب الكثير من المشاكل والخلافات إلى المجتمع بصفة عامة، والأسرة بصفة خاصة، نتج عنها حالات طلاق، لما رأت الزوجة أن الزوج غير قادر على النفقة عليها لمجاراة نجوم ومشاهير ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.
قراءة في النتائج
وذكر عبد الكريم، جملة من الأسباب التي تقف وراء الانخفاض في نسبة الطلاق بين المواطنين في دبي، وفي مقدمها، استجابة المجتمع، وخصوصاً شريحة الشباب، للنصائح والتوجيهات الداعية إلى احترام العلاقة الزوجية، وصيانتها، وتقديس ميثاقها، وتجنب عواقب العبث فيها أو تخريبها، لمبررات ربما تجانب العقل أو المنطق، عطفاً على ارتفاع سن الزواج الذي بلغ معدله 25 -27 عاماً.
كما ربط انخفاض نسبة الطلاق بين مواطني الإمارة، بالجهود التي تقوم بها الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، تفاعلاً مع مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «أسرتي متماسكة 2021»، الهادفة إلى الحفاظ على الأسرة، وتقوية الروابط التي تجمع بين أفرادها، وتوفير البيئة المناسبة لاستقرارها ونموها.
وتطرق إلى حرص الموجهين والمصلحين الأسريين في محاكم دبي، على حل الخلافات الزوجية، وتسويتها، وتحقيق الصلح بين الأزواج، وحضهم على عدم الإصرار على الطلاق، خصوصاً إذا كان بينهم أبناء، لافتاً إلى وجود نية لدى إدارة الأحوال الشخصية، إضافة 3 موجهين ومصلحين بخبرات عالية إلى «الفريق الحالي»، خلال هذا العام.
فتح ملف «إلكترونياً»
وأضاف عبد الكريم، سبباً آخر أسهم في تقليل نسبة الطلاق، وزيادة نسبة التسويات في الخلافات الزوجية، وهو عدم النظر في أي مشكلة بين الأزواج قبل فتح ملف عبر «الموقع الإلكتروني»، وانتظار الحصول على موعد للنظر في الخلاف، وهو ما يسهم في منح المتخاصمين فترة من الزمن للهدوء والتفكير ومراجعة حساباتهم، قبل التوجه إلى المركز وفتح ملف، قد ينتهي بطلب الطلاق في محكمة الأحوال الشخصية، بعكس الحالة السابقة، التي كان يحضر فيها المتخاصمان إلى القسم مباشرة، ودون الحصول على موعد.
أسباب الطلاق
واستعرض أحمد عبد الكريم 3 أسباب رئيسة للطلاق، استناداً إلى الملفات المنظورة في القسم، أولها، عدم حصول الزوجة على النفقة الكافية، سواء كانت بقصد من الزوج أو بعجز منه، ثم تدخلات الأهل بحياة الزوجين، والتأثير السلبي فيها، وثالثاً، عدم إدراك الأزواج قيمة وقدسية الزواج والميثاق الغليظ الذي يجمعهم.
وتحدث عن ارتفاع نسبة تسويات الخلافات الزوجية في قسم التوجيه والإصلاح الأسري، قياساً بالعام الماضي، مرجعاً ذلك إلى حرص القيادة العليا في المحاكم، على إيلاء الإصلاح الأسري ورأب الصدع بين الزوجين، وتقليل عدد الملفات الزوجية المحالة إلى محكمة الأحوال الشخصية، والاهتمامَ الكبير، حفاظاً على النسيج الأسري، وتقليل نسبة الطلاق، زيادة على حرصها على تعزيز التوعية المجتمعية بقدسية الزواج والأبناء وتماسك الأسرة، إضافة إلى حرص المحاكم على تعزيز الثقة بالنظام القضائي، بما فيه خبرات وكفاءات أفراد التوجيه والإصلاح الأسري، الذين لا تقل خبرة الواحد منهم عن خمس سنوات.
ولفت إلى أن محاكم دبي، ترتبط بعلاقات تعاون مع عدة جهات، مثل المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة المهتمة بالأسرة، لعقد محاضرات توعية بالزواج والأسرة، وخطورة التفريط فيها، وربط أفراد المجتمع بالواقع والمستجدات الناجمة عن التغيرات الشاملة في كل مناحي الحياة، إضافة إلى إطلالاتها عبر وسائل الإعلام المختلفة، بدروس وبرامج وتصريحات، تتعلق بالاستقرار الأسري والتوافق الزوجي.
وأشار إلى أن إدارة الأحوال الشخصية، تسعى إلى رفع نسبة التسويات إلى 80 % هذا العام، بالرغم من زيادة عدد الملفات التي تنظرها، والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بزيادة عدد السكان، وهي نسبة ليست مستحيلة أو صعبة، في ظل تحسن حالة الوعي لدى أفراد المجتمع بأهمية الحفاظ على الأسرة والشراكة الزوجية، وكذا، في ظل إصرار ورغبة الإدارة، ممثلة بالمصلحين الأسريين، على تقليل عدد الملفات المحالة إلى محكمة الأحوال الشخصية، بعد تعذر الصلح والوصول إلى تسوية دون وقوع الطلاق.
وقال إن غالبية مراجعي قسم الإصلاح والتوجيه الأسري في محاكم دبي، يأتون وليس معهم حل إلا الطلاق، معتقدين أنه هو العلاج النهائي والفعال لمشاكلهم الزوجية، علماً بأنه في كثير من الحالات ليس حلاً، ومن المفترض أن تسبقه خطوات وحلول ومحاولات كثيرة قبل الوصول إليه، ومن هنا، يأتي دور الأهل والأصدقاء والمقربين من أجل النصيحة وتقريب وجهات النظر، ورأب الصدع بين المتخاصمين، والتوسط بالخير بينهما، بدل العناد والتحريض والسعي نحو الانفصال.
وأوضح أن قسم الإصلاح الأسري، يحرص على توفر الفرصة المناسبة للأزواج، لمناقشة خلافاتهم بمساعدة الموجهين العاملين فيه، لمساعدتهم على التوصل إلى حل وتسوية، وتقديم النصيحة لهم، وتبديد أي فرصة للطلاق، لكن يبقى الرأي الأخير لهم، فإذا لم تكن لديهم نية الصلح والوفاق، فلن يستطيع أحد إجبارهم أو فرض شروط وإملاءات عليهم.
ونوه بأن هناك بعض التحديات أمام مبادرة أسرة متماسكة، أهمها هو ترجمة أهداف المبادرة إلى أمر واقعي، نتيجة عدم وجود تكامل وتنسيق وتعاون مشترك بين الجهات ذات العلاقة، ومع ذلك، هناك تفاؤل بنجاحها وتحقيق أهدافها.
النفقة
وأشار عبد الكريم، إلى أن غلاء المعيشة في هذه الأوقات، يشكل تحدياً كبيراً أمام الأزواج وأرباب الأسر، على اعتبار أن النفقة على المنزل بكل مكوناته وسكانه، هي بمثابة «رمانة الميزان»، التي ترجح كفة الاستقرار الأسري أو تُخسره، ومن هنا، فإن على الأزواج مراعاة ثلاثة عوامل أساسية في ظل هذا الغلاء، وتغيرِ نمط الحياة وثقافة العيش من أجل الحفاظ على حياة مستقرة، العامل الأول، هو الاهتمام بالنفقة على الزوجة والأولاد والمنزل، وعدم إهمال هذا الجانب المهم، بما في ذلك توفير المسكن الملائم.
وقال: «بعض الأزواج يمتنعون عن الصرف على الزوجة والأولاد، ويهملون توفير المسكن المستقل والملائم لهم، لكنه لا يتوانى عن الحصول على قرض من البنك من أجل توفير نفقات السفر للسياحة في الخارج، بما فيها حجز مقاعد الدرجة الأولى و«رجال الأعمال» في الطائرة، وكذا الحجز في أفخم الفنادق، إلى جانب شراء السيارات الفارهة، وهو ما يشعل فتيل الخلافات بين الزوج والزوجة، التي تعاني مرارة هذا التقصير، وتضطر للجوء إلى المحاكم من أجل المطالبة بحقوقها الشرعية، أو حتى ربما لطلب الطلاق، كما فعل بعض النسوة اللاتي قصدن قسم التوجيه الأسري في محاكم دبي، من أجل الطلاق بسبب عدم نفقة الأزواج عليهن، أو على أبنائهن، أو عدم توفير منزل لها».
تعاون الزوجين
وأكد عبد الكريم أهمية التعاون بين الزوجين، والتشارك في توفير متطلبات الحياة، خصوصاً إذا كانت الزوجة مقتدرة، أو لديها مصدر دخل ثابت، مشدداً على أن غلاء المعيشة وكثرة الأعباء والمسؤوليات المترتبة على الزوج، يستدعيان وقوف الزوجة إلى جانبه ومساعدته في تغطية المصاريف، شرط أن يكون ذلك بقناعتها ورضاها، ودون إكراه أو استغلال «كما يفعل البعض الذين يستغلون راتب الزوجة من أجل التقاعس عن العمل، أو تجميع راتبه ودخله من أجل الزواج بامرأة أخرى».
مواقع التواصل
قال أحمد عبدالكريم رئيس شعبة الجلسات الأسرية في محاكم دبي: "مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والاهتمام بها، ومتابعتها من قبل شريحة واسعة من أفراد المجتمع، زادت المشاكل الزوجية، وزادت الحالات المنظورة في قسم التوجيه والإصلاح الأسري في محاكم دبي، والسبب هو أن مجاراة هذه المواقع، والإطلال من خلال نوافذها المتعددة، سواء فيسبوك أو انستغرام أو سناب شات، يحتاج إلى مصاريف ونفقة على الملابس والسفر والسيارات والمطاعم.
علماً بأن البعض ممن انزلق نحو هاوية المظاهر، ربما يمر في ضائقة مالية، أو ربما لديه أولويات أخرى مهمة في حياته، لكنه أخرها حتى يظهر أمام المتابعين بأنه يعيش في سعادة وهناء وسعة رزق وبحبوحة عيش، وهذا أمر يخالف الصواب والعقلانية، ويدل على عدم المسؤولية في إدارة شؤون الأسرة".
وأضاف: «تكاليف المعيشة ومتطلبات الحياة آخذة بالازدياد، وكثير من الأزواج لم يعودوا قادرين على توفيرها، بعد ارتفاع الأسعار ورسوم الخدمات بكل أشكالها، بما فيها التعليمية والصحية، الأمر الذي قد يتسبب بظهور بعض الخلافات الزوجية، التي ربما تنتقل إلى أروقة المحاكم».
يعيش مع أسرته في غرفة ويقترض 200 ألف للسفر!
يستحضر أحمد عبد الكريم رئيس شعبة الجلسات الأسرية في محاكم دبي، قصة واقعية لزوج يعيش مع زوجته وأبنائه الأربعة في غرفة واحدة في منزل والده، ويتقاسم معهم الهواء والطعام والشراب، في مساحة ضيقة، تضيق معها أفق الاستقرار والسعادة.
والغريب في قصة هذا الزوج، أنه اقترض مؤخراً 200 ألف درهم من البنك، ليس من أجل التوسعة على نفسه وعياله، وتوفير بعض الاحتياجات لهم، ولكن من أجل أن يسافر مع أصدقائه إلى أوروبا في رحلة للاستمتاع، وزيارة الأماكن السياحية، ثم اشترى بما تبقى معه من القرض، دراجة نارية بعشرات آلاف من الدراهم.
وقال إن هذا الزوج، يمثل شريحة لا بأس بها من الأزواج، الذين يعتبرون توفير المسكن المستقل للزوجة والأبناء أمراً ثانوياً، وربما «ترفاً» وسعة في العيش ليست مهمة في العقود الأولى من الزواج، علماً بأن توفير المسكن المناسب واجب شرعي وأخلاقي، ومتطلب أساسي في الحياة الزوجية، ويفترض أن يكون في مقدم أولويات أي زوج.
ويؤكد المتحدث نفسه أن إهمال الزوج في توفير المسكن لزوجته وأبنائه، يمثل قنبلة موقوتة، ربما تنفجر في أقرب وقت يضيق به صدر الزوجة التي قد تضطر إلى طلب الطلاق، أو طلب منزل مستقل يتسع لها ولأبنائها وأحلامهم، ويمنحهم الاستقلالية والبحبوحة.
نموذج جيد
في المقابل، يستحضر أحمد عبد الكريم، مثالاً آخر للأسرة المتفاهمة، القادرة على إدارة شؤون حياتها بحكمة وعقلانية دون التورط بالديون، والركض وراء ملذات وشهوات الحياة، على حساب الحاجات والمتطلبات الأساسية.
فيقول، إن هناك رب أسرة كان يصرف على أسرته شهرياً 5 آلاف درهم، ولما قرر بناء منزل جديد، قلل المصروف إلى 2000 درهم، بموافقة ورضا الزوجة والأبناء الذين لم يتذمروا من ذلك، قناعةً منهم بأن بناء البيت لا تسبقه أي أولوية، وبالفعل، أعادوا جدولة احتياجاتهم ومصروفاتهم، وتكيفوا مع المصروف الشهري الجديد، وتمكنوا بعد نحو 3 سنوات من إنجاز البيت والانتقال إليه بسعادة وفرحة، ودون أن يخسروا أغلى وأهم شيء في حياتهم، وهو الأسرة المتماسكة، التي يقودها الأب إلى الاستقرار والمحبة والتآلف.