يضم كتاب "التأليف والترجمة في الحضارة العربية الإسلامية"، مجموعة من البحوث التي قدمت لندوة "التأليف والترجمة في الحضارة العربية الإسلامية"، المنظمة من قبل الجمعية الأردنية لتاريخ العلوم، في شهر نوفمبر عام 2012. وتناولت البحوث موضوعات عديدة، في مقدمها: دور العرب والمسلمين في تكوين الحضارة الغربية، التأليف وأصالة العمارة العربية الإسلامية، تحديد الإسهامات التي قدمها العرب والمسلمون في علوم الأرض، أهمية الكتب التي ألفت في الطب العربي.
ينطلق الكتاب - الندوة، من حقيقة أن الترجمة السبيل الأهم للاطلاع على المنجزات العلمية والثقافية، ولتبادل المعارف والتعرف على ثقافات وعلوم الأمم الأخرى. وكذا التلاقح بين الحضارات وبناء الذخيرة العلمية. فالترجمة كثيراً ما تحدد كمقياس لدرجة التقدم التي وصلت إليها حضارة من الحضارات. ويجد الكتاب، أنه من المفيد قياس درجة تقدم الحضارة العربية، بالكتب والبحوث المترجمة التي كان لها أهمية في إقامة "لبنتها العلمية الأولى".
وأتى بعد الترجمة، التأليف والتصنيف. إذ كان للحضارة العربية الإسلامية، إسهامات كبيرة في مختلف الموضوعات العلمية: طب وفلك ورياضيات.. ولذلك، أخذت الندوة على عاتقها إبراز الإنجازات "العلمية والإنسانية والتطبيقية" للحضارة العربية الإسلامية، ما يجعلها حضارة "راقية ومبتكرة ومبدعة". وأيضاً، ما يؤكد حضورها وريادتها في المشهد الحضاري العالمي لقرون طويلة.
وفي دراسته التي قدمها حول "التأليف وأصالة العمارة العربية الإسلامية"، وجد بديع العابد، أن المستشرقين قصروا كثيراً في دراسة وتحليل العمارة العربية الإسلامية، عندما غيبوا جسمها الفكري والنظري، ووصفوها بـ "الجسم الطفيلي" الذي عاش على إنجازات الحضارتين البيزنطية والفارسية، لينتهي إلى أن الحضارة العربية الإسلامية من أكثر الحضارات إنتاجاً لـ"الأدب المعماري".
كما قدم الباحث تحليلاً مطولاً عن المؤلفات المعمارية العربية الإسلامية، خاصة كتابا: "الفهرست" لابن النديم، "عيون الأبناء في طبقات الأطباء" لابن أبي أصيبعة. إذ يحتويان على إدراك عميق للمظاهر العمرانية بوصفها ظاهرة حضارية.. وتعبر عن "منظومة معرفية" لها مفاهيم ونظريات وأحكام وخصوصيات.
تناولت الباحثة سرى سبع العيش، المؤلفات الطبية العربية بالتحليل، لتجد أنها تدل على تقدم كبير أحرزه علم الطب العربي في كثير من القضايا. فالدارس لكتاب "الحاوي في الطب" للرازي، و"القانون في الطب" لابن سينا، و"التصريف لمن عجز عن التأليف" لخلف بن عباس الزهراوي، حسب سرى...
بالإضافة إلى كتب طبية عديدة، سرعان ما يستنتج أن عدداً كبيراً من النظريات الطبية وبعض أساليب معالجة الأمراض المعاصرة، تعود في أصلها إلى الأطباء العرب والمسلمين في العصور الوسطى. ولعل تدريس العلوم الطبية في أوروبا باللغة العربية، وبقاء بعض المصطلحات الطبية العالمية على اللسان العربي، أكبر دليل على تقدم الأطباء العرب، وتفوقهم على أقرانهم في الحضارات الأخرى.
اختار الباحث عبدالقادر عابد، في ورقته، الوقوف عند "تطور علوم الأرض في الحضارة العربية والإسلامية"، ليبين أهمية إسهامات العلماء العرب المسلمين في علوم الأرض، والأثر الكبير الذي تركه ذلك الإسهام في المراحل الأولى للنهضة الأوروبية الحديثة.. إذ قدم البيروني آلته الخاصة لقياس الوزن النوعي للمعادن. وأوجد الهمداني طريقة علمية دقيقة لاستخراج الذهب والفضة من خاماتها. وطرح ابن سينا قانونه الخاص حول "تعاقب الطبقات"، الذي يفسر نشأة بعض الجبال.
ويشدد الباحثون الذين أنجزوا الكتاب، على أن هناك هدفاً أساسياً جمعهم: "إبراز الإنجازات العربية الإسلامية والتعريف بها وبمكتشفيها"، وكذا بالعلماء العرب والمسلمين، بغية إعادة توظيفها في المجال التداولي المعرفي. فالمهمة العلمية الكبرى بالنسبة لهم هي إعادة بناء الثقة لأبناء الحضارة العربية الإسلامية، وحثهم على التأسي بأسلافهم من العلماء، الذين حققوا إنجازات علمية كبرى يشار إليها بالبنان.
الكتاب: التأليف والترجمة في الحضارة العربية الإسلامية
تأليف: مجموعة باحثين
المحرر: بديع العابد وأشرف صالح
الناشر: دار ناشري للنشر الإلكتروني - الكويت 2013
الصفحات: 73 صفحة
القطع: الكبير