يؤرّخ كتاب «منصور بن سرجون التغلبي» لمؤلفه جوزيف نصر الله للجيوش العربية تحت إمرة يزيد بن أبي سفيان سنة 634 م، التي التقت في فبراير في داثينا، بجيوش جمعها سرجيوس شقيق هرقل، فانهزم البيزنطيون، ثم استعد الخصمان لاستئناف الحرب مرّة ثانية، واستعان قواد الطرفين بإمدادات جديدة، فتألف على عجل جيش بيزنطي، وأسرع إلى حوران للدفاع عن طريق الشمال..
وجاءت من العراق مفارز عربيّة تحت إمرة خالد بن الوليد وأبي عبيدة. فاجتازت الصحراء، وانضمت إلى جيوش يزيد والتحم العرب مع البيزنطيين، في أجنادين فكان للعرب نصرٌ مبين، وارتد المندحرون نحو دمشق، وارتأى سرجيوس أن يتجّه نحو حمص فأنطاكية. وفي شهر مارس أحاطت القوات الإسلامية بدمشق، فاستسلمت المدينة في سبتمبر من السنة ذاتها.
وكان المفاوض في تسليم المدينة منصور بن سرجون جد يوحنا الدمشقي، وكان ناظر المالية العام لولاية فينيقيا الفتية التي كانت دمشق أهم مدنها. ومكث يزيد على رأس فرقة من الجيش ليوطد احتلال المدينة وجوارها، أمّا هرقل الحاكم العسكري لسوريا فأسرع وحشد جيشاً لا تجانس فيه، قليل التدريب العسكري، مؤلفاً من الأرمن والسوريين المسيحيين المستعربين، ومن جنود جاؤوا من معسكرات الأناضول، وأسند قيادة الجيش إلى تيودورس سكلاريوس وباهان..
وعندما شعر الجيش الإسلامي بقلة عدده، عزم على ترك دمشق والتمركز في الجابية، فهاجمه البيزنطيون هناك، واستطاع العرب المقاومة ثم ذهبوا وتحصنوا وراء نهر اليرموك، وثار الأرمن في معسكر البيزنطيين، وامتنع العرب عن القتال، فانكسر الجيش في 636، وانتصر العرب في معركة اليرموك.
ينسب ابن البطريق وابن العميد إلى منصور بن سرجون دوراً حاسماً في موقعة اليرموك، إذ اعتصم منصور بعد الهزيمة وراء أسوار دمشق مع فلول الجيش البيزنطي.
واقترن ذكر المنصور باللعنة في القسطنطينية البيزنطية المهزومة، ولم يوفّر الكتبة الملكيون عائلة الدمشقي، فألصقوا بهم التعابير الشائنة ورشقوهم بأشنع النعوت وأسفلها (أولاد الحرام). ويخبرنا الأب لامنس أنّه اطلع في مخطوط المكتبة الشرقية، على أن المنصور اعتزل في دير القديسة كاترينا في سيناء بعد تسليم دمشق، وألف هناك كتاب "شرح المزامير".
ويفيدنا الطبري أن سرجون بن المنصور لبث كاتب معاوية وصاحب أمره، ورجل ثقته حتى وفاة الخليفة، وسبب ذلك خدمات أبيه منصور أيام الفتح، واحتياج أسياد سوريا الجدد إلى خبرة موظفي بيزنطة القدماء . واستمر سرجون في مكانه أيام معاوية، وأبقى يزيد /680 – 683/ له جميع الامتيازات والحقوق التي منحه إياها معاوية، وكان يستشيره في الأمور الصعبة.
وسار معاوية الثاني /683/ على خطى والده. ويخبرنا المؤرخون العرب أن سرجون بن منصور مارس مهام وظيفته حتى خلافة عبد الملك /675 – 705/، إذ أقصاه عن الحكم، ويعود هذا الإقصاء إلى الإجراءات الجديدة التي اتخذها عبد الملك. ومات سرجون وولّى عبد الملك مكانه سليمان بن سعد وأبدل اللغة اليونانية بالعربية، وكانت وفاة سرجون في أواخر سني عبد الملك، وقد ناهز الثمانين من العمر، وقضى ستين سنة في خدمة الخلافة.