تمتلك الصين واحدة من أقدم مصادرالمكتبات في العالم وقد اختبرت خلال تاريخها الطويل فترات زمنية من التطور ترتكز على ما شهدته البلاد من تطورات اجتماعية، وفي السنوات العشر الأخيرة زادت البحوث المهتمة بالتوصل إلى سياسات وقواعد للأنواع المختلفة من المكتبات..

كما وظهرت العديد من المنشورات التي تختص بتطور تاريخ المكتبة في الصين، وبشكل عام تم تقسيم تاريخ المكتبات إلى خمس فترات تعتبر شاملة نوعا ما وهي المكتبة القديمة، والمكتبة الحديثة، والمكتبة مابعد الحديثة، والمكتبة المعاصرة، والمكتبة ما بعد المعاصرة.

المكتبات القديمة

المكتبات القديمة في الصين تضمن كل المكتبات، ما قبل عام قبل 1840، وتبعاً لاكتشاف منقوشات عظام النبوءة «أو قواقع السلحفاة» في أنيانغ في الصين في أواخر القرن التاسع عشر فإن أجداد السلالة الحاكمة شانغ (1600-1064 قبل الميلاد) كان لديهم كتاب اسمه سي ديان سجل كيفية الإطاحة بالسلالة الحاكمة إكسيا، قرابة العهد البابيلوني، وسجل وسيلة ونظاماً مكتملاً لتخزين مواد «عظام النبوءة» مع أكثر من 4000 حرف صيني مُكتَشف وهذا يدل على أن أصول الكتب و المكتبات والأرشيفات يمكن تتبعه خلفاً إلى وقت باكر يقارب حوالي 3000 سنة مضت.

بيوت الكتب

المكتبات الصينية القديمة كان يطلق عليها اسم بيوت تخزين الكتب أومستودعات الكتب، بسبب التأكيد على المجموعات إلى أن تم استخدام وصف مكتبة لأول مرة في صحيفة «شي وو دايلي» في 7 من سبتمبرعام 1896. تم تدريجياً تأسيس أربعة أنظمة فريدة من المجموعات بداية من عهد السلالة الحاكمة «زاهو» إلى عهد السلالة الحاكمة «تشينغ»، وهي المجموعات الخاصة، والمجموعات الرسمية، ومجموعات الكليات ومجموعات الأديرة.

وهذه الأنواع الأربعة من المجموعات عكست التطورات السريعة للمكتبة في الصين القديمة ومن الملفت للنظر في ذلك الوقت أن الأبنية القديمة لتخزين الكتب كانت عبارة عن مكتبات على نحو ما وذلك بسبب وجود أنظمة إدارة لها تهتم بعدد من النواحي كالتداول، الاقتناء والتراكم، والتصنيف والفهرس، التي هي وظائف تقليدية للمكتبة.

المكتبات الحديثة

تصنف المكتبات الحديثة في الصين، أنها المكتبات التي يعود تاريخها ما بين عام 1840 حتى 1912، فبعد فشل حرب الأفيون سرعت التأثيرات الداخلية والخارجية من تطور وإصلاحات المكتبة في الصين، وقد كان أحد التأثيرات آتياً من المثقفين الصينيين التقدميين الذين لم يرتقوا بالتعلم من العلوم والتكنولوجيا الغربية فقط، بل دافعوا أيضاً عن تبني المؤسسات الاجتماعية والسياسية الغربية..

ومن المصلحين أمثال غوانغينغ زهينغ (1842 - 1922)، الذي تنبأ مبكراً في ستينيات القرن التاسع عشر بضرورة وجود نظام قومي للمكتبة عندما اقترح إصلاحاً معمقاً للمؤسسات السياسية والتعليمية الصينية، وأمثال يوي كانغ (1858-1927) الذي قدم تطبيقات المكتبة الغربية بشكل منظم ومنصف.

ما بعد الحديثة

أما المكتبات ما بعد الحديثة، فهي التي وجدت من 1912 إلى 1949، فبعد الإطاحة بالسلالة الحاكمة (تشينغ) في عام (1912) كانت الحركة الثقافية الجديدة ونشاط المكتبة الجديد بأقصى درجاتهما مع تأسيس جمهورية الصين وتطورت المكتبات بسرعة كبيرة، وخاصة في عام 1912 حيث تم الارتقاء بالتعليم الاجتماعي وتأسيس المكتبة الشعبية كمؤسسة اجتماعية.

في العام 1936 كان العدد الكلي للمكتبات الشعبية 2492 مكتبة، وتظهر الأرقام أن المكتبات تطورت بشكل كبير بين عامي 1916 و1936 إلا أن المكتبات تضررت بعد عام 1937 بشكل كبير بسبب الحروب المستمرة، ففي عام 1937 قام سلاح المدفعية الياباني بمهاجمة 2166 مكتبة على مستوى المقاطعة فما فوق وكانت 80% من خسائر المكتبات كبيرة إلى أبعد الحدود، وفي حين دمرت مباني المكتبات الأخرى بشكل كامل.

في بداية القرن العشرين تم تأسيس 12 مكتبة أكاديمية، وتم الإقرارعلى نطاق واسع بأن مكتبة جامعة بيكين - أسست عام 1902 - هي أقدم مكـــــتبة أكاديمية قومية في الصين، وفي عام 1936 كان عدد المكتبات الجامعية التبشيرية والمكتبات الجامعية الخاصة حوالي 28 وبنيت 20 مكتبة جامعية قومية، بينما دمرت العديد من المكتبات الأكاديمية على نحو رديء خلال الحرب ضد الغزو الياباني.

تطورات سريعة

التطورات السريعة للمكتبات كانت حاجة ملحة لعدد كبير من طواقم إدارة المكتبات، ومن أجل تحقيق هذه الحاجة قام الباحثون إضافة إلى المنظمات التعليمية بمطالبة الحكومة بأن تأخذ على عاتقها تعليم علوم المكتبة، وتم تدريجياً تأسيس مدارس لعلم المكتبة. وفي الفترة ما بين 1915 و1947 تم إصدار العديد من قواعد وسياسات المكتبات على صعيدي الحكومة المحلية والقومية.

مكتبات معاصرة

أما المكتبات المعاصرة، فتصنف ما بين 1949 و1977 ، فمنذ تأسيس الجمهورية الشعبية الصينية عام 1949 تطورت جميع أنواع المكتبات حتى عام 1960، وخلال بداية الستينيات من القرن العشرين لم تتطور المكتبات بشكل جيد بسبب الكوارث الطبيعية والظروف الاقتصادية الأكثر صعوبة، كما كانت تطورات المكتبات راكدة خلال فترة الثورة الثقافية بين عامي (1966- 1976).

في هذا الوقت تم تأسيس نظام مكتبة شمولي يتضمن المكتبات العامة والتعليمية، ومكتبات العلم والبحث، ومكتبات المعامل ونقابة العمال وعدد كبير من المكتبات وغرف المطالعة التابعة للمنظمات الإدارية المدنية ولوحدات الجيش من الطبقة المركزية نزولاً حتى وحدات المناطق الريفية.

ما بعد المعاصرة

أما المكتبات ما بعد المعاصرة، فهي من 1978حتى الوقت الحاضر، وتبدأ هذه الفترة منذ الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي في عام 1978، حيث تطورت المكتبات الصينية بشكل سريع وثابت ومع التطورات السريعة للعلم والتكنولوجيا فإن (تكنولوجيا الحاسب، المعلومات، التحول الرقمي، الوسائط المتعددة، الشبكات والأقراص البصرية، الميكروفيلم، الصوت والفيديو) تم استخدامهم بشكل واسع في المكتبات مما سرع من عملية الأتمتة وتحديث المكتبات.

وفي عام 1978 وبعد مؤتمر العلم القومي أصبحت المهام والسياسات الأساسية لمكتبات البحث والعلم مفهومة بالشكل الصحيح وكل نشاطات مهام المعلومات التقنية والعلمية مركزة على الهدف الشامل للصين بإدراك توجهاتها.

الفهرسة التعاونية

في التسعينيات تم تأسيس مبادرات الفهرسة التعاونية الإقليمية، في الصين، وتم استخدام طرق ناجحة لأتمتة أنظمة المكتبة ويمكن القول: إن مشاريع تجريب المكتبة الصينية الرقمية بدأت في منتصف التسعينيات، وقد تم الآن تأسيس العديد من أنظمة المكتبات الرقمية التجارية والإقليمية والقومية. خلال هذه الفترة أصبحت الحواسيب وغرف المطالعة الرقمية شائعة في المكتبات..

فعلى سبيل المثال تتضمن المكتبات الصينية حوالي 140 ألف جهاز حاسوب و80 ألف غرفة مطالعة رقمية ويمكننا تقريباً مضاعفة العدد ثلاث مرات في عام 2005، وقد أطلقت الصين مشروعاً لتحسين بناء المكتبات الرقمية على مستوى المقاطعة في محاولة لتجهيز مكتبات البلاد التي تتجاوز الـ2,900 مكتبة على مستوى المقاطعة بخدمات رقمية..

وقد تم الآن إنشاء شبكة مكتبية رقمية قومية. خلال الفترة من 1978 إلى 2007 كان معدل النمو للعام 1978 أكبر بكثير من معدله في أي عام آخر، فمنذ 1978 حتى نهاية الثمانينيات كان معدل النمو أكبر بكثير منه في التسعينيات، لم يزدد معدل النمو أكثر مما كان عليه من قبل.

كما أن المكتبات التعليمية الصينية منذ عام 1978 وخاصة المكتبات الجامعية حققت إنجازات مذهلة. وفي عام 2005، انطلق نشاط المكتبة الجديد في القرن الحادي والعشرين بهدف تنسيق العلاقات بين المكتبة والمجتمع، والارتقاء بالوصول المتكافئ للمعلومات، وربط الأقسام الرقمية.

أول مكتبة صينية حديثة

في عام 1847 تم إنشاء أول مكتبة صينية حديثة وذلك من قبل المجتمع المسيحي الكاثوليكي في شنغهاي، وفي عام 1901 تم بناء أول مكتبة عامة رسمية في إقليم أنهوي، وكذلك في عام 1904 أوجدت مكتبة هيونان ومتحفها التعليمي التي استخدمت كلمة «مكتبة» لأول مرة في الصين، إضافة إلى العديد من المكتبات الأكاديمية الأخرى التي تمت إقامتها.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، واجهت حكومة تشينغ تحديات وضغوطاً داخلية وخارجية متزايدة، وفي عام 1910 أقرت هذه الحكومة قانونا للمكتبة، ومنذ ذلك الوقت تم إكمال التحول الكبير من مباني تخزين الكتب إلى المكتبة وصلت تطورات المكتبة إلى مراحل أكثر تقدماً، وتم وضع العديد من القوانين والقواعد والسياسات لإدارة المكتبات.

مجموعات ومجلدات خاصة في عصر المكتبات القديمة

أظهرت الأدلة والوثائق، في عصر المكتبات الصينية القديمة، أنه عندما قام ليو كسيانغ بفهرسة المجموعات الوطنية في عهد السلالة الحاكمة «هان» كان هناك أكثر من 10 آلاف مجلد من المجموعات الوطنية ومن السلالات الحاكمة في الشمال والجنوب كان هناك 12 شخصاً لديهم مجموعة خاصة من أكثر من 10 آلاف مجلد وكانت المجلدات تصنع من الخيزران وتنجز يدوياً، وهذا يدل على أنه لم يكن هناك العديد من الكتب الحقيقية في ذلك الوقت.

خلال عهد سلالة «سونغ» اخترع «بي شينغ» النمط المتحرك من الطباعة، ولكن لم يكن من الممكن تطبيقه بشكل واسع النطاق على الإنتاج الضخم وهكذا فإن افتقاد التقنيات الميكانيكية لصناعة الكتب أدى إلى انتشارها بمجموعات قليلة.

وفي هذه الفترة أُنشئت الأكاديميات الخاصة التي احتوت مجموعات جيدة في منتصف عهد سلالة «مينغ»، ويمكن من عدة جوانب أن نلاحظ أن مكتبات الأكاديميات الخاصة كانت هي المبشرة بالمكتبات الجامعية في يومنا هذا.