فقدت الساحة المسرحية والثقافية أحد أهم أعمدتها الثقافية، وأحد المؤسسين للعديد من أنشطتها الأساسية، ألا وهو صديقي وصديق المسرحيين، الشيخ أحمد بن محمد القاسمي، الذي تشرفت بالعمل تحت إدارته لفترة طويلة، واسمحوا لي أن أسجل شهادتي المجروحة بشخصه النبيل. لقد كان متواضعاً وواحداً منا، رجلاً مثقفاً، متنوراً، نبيلاً، وفيه كل صفات القادة الناجحين والمتميزين.
كان مجلسه يومياً يبدأ السابعة مساءً في مسرح الشارقة الوطني ولا ينتهي إلا في منتصف الليل، وفي هذا المجلس تدور الأحاديث حول المسرح بالذات وسبل تطويره واستمراريته، وقد استضفنا فيه العديد من المسرحيين العرب أمثال محفوظ عبدالرحمن والفنانة سميرة عبدالعزيز والفنان قاسم محمد في زيارته الأولى.
كان من عاداتنا أن تتشكل مجموعة من المسرحيين للذهاب لمشاهدة العرض الأول لأي مسرحية تعرض في إمارات الدولة الأخرى، وكان الشيخ أحمد على رأس هذه المجموعات؛ نذهب جميعاً كأصدقاء وكمسرحيين، ولا يذهب الشيخ أحمد وحده، إنما لا بد أن يكون معه بسيارته الخاصة بعض منا.
أذكر أنا أعددنا دورة مسرحية موسعة لفرق إمارة الشارقة على أن تنتهي الدورة بمسرحية «رأس المملوك جابر»، كانت الدورة بإشرافي، وقد خططنا أن يكون لها مقرّان: الأول في مسرح الشارقة الوطني، والآخر في خورفكان لفناني المنطقة الشرقية، كانت أيام رمضان.
وكان عليَّ أن أذهب بين يوم وآخر إلى خورفكان لاستكمال التدريب وإلقاء المحاضرات، والشيخ أحمد، بما اتسم به من خلق رفيع وتواضع يصرُّ على أن يقلني بسيارته بعد الإفطار مباشرة إلى خورفكان.
كانت أعمالنا في قاعة أفريقيا في ذلك الوقت تفتقر إلى كل التقنيات، وفي مقدمتها أجهزة الإضاءة، وكان علينا أن نتسلق سلماً ضعيفاً حتى سقف القاعة لنربط البروجكترات. وذات ليلة، والساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، كنت أعمل على ربط البروجكترات بالسقف، وبينما أنا منهمك في ذلك العمل إذا بي ألتفت لأجد الشيخ أحمد يقدم لي البروجكتر، وحينما رفضت قال لي: كيف لي أن أجلس وأنت معلق على هذا السلم الضعيف، وفي هذه الساعة دون أن أشاركك العمل.
إن ذكرياتي مع الشيخ أحمد بن محمد القاسمي، رحمه الله، لا تتسع لها هذه الزاوية، ولا بد من البوح عن هذا الإنسان الذي فقده المسرح في دولة الإمارات، وهو الذي يعود له الفضل في الكثير من إنجازات الحركة المسرحية؛ مثل أيام الشارقة المسرحية، ومهرجان مسرح الطفل، ومجلة الرولة، وإنجازات ومواقف أخرى.