أدرجت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في منتصف العام 2020 نظام الزراعة التقليدية "الرملي" على شواطئ منطقة غار الملح الساحلية بتونس، على قائمة نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية لكونها لا تعتمد على استنزاف الموارد المائية.

حين قدم الأندلسيون مهاجرين الى منطقة شمال إفريقيا في القرن 17، استقرّ بعضهم في منطقة غار الملح. وللتكيّف مع ظاهرة شح المياه ومحدودية الأراضي الزراعية في المنطقة، قاموا بنقل رمال من الشاطئ ووضعوها داخل بحيرات طبيعية قريبة من البحر، لتشكّل قطعا زراعية متناثرة استغلوها لزراعة الخضروات بكل أنواعها.

ونقلت "يورونيوز" عن الخبيرة في الموارد المائية والتغييرات المناخية روضة قفراج، قولها: إنه جرّاء التغيرات المناخية، مستوى مياه البحر في ارتفاع متواصل منذ سنوات، محذرة من تبعات ذلك إذ يمكن أن "تصبح طبقة المياه المالحة فوق طبقة المياه العذبة التي تغذي النبتة، ما يمكن أن يدخل نظام الريّ الطبيعي في اضطراب".

"بحر وبحيرة ورمل"

وتعتمد هذه الزراعة المبتكرة على ما يعرف "بنظام ري سلبي"، إذ تتغذى جذور النباتات من مياه الأمطار المخزنة داخل الرمال، فبفعل حركة المد، تدخل مياه البحر المالحة الى البحيرة المتصلة بالبحر، وتدفع المياه العذبة المخزنة من مياه الأمطار الى الارتفاع والوصول الى جذور النباتات فتغذيها.

ومع حركة الجزر، تتوقف حركة الري الطبيعي حتى لا تحصل النباتات على أكثر من حاجتها.

"كل قطرة ماء"

كما أن الترسبات الموجودة في البحيرة تعيق حركة دخول مياه البحر وخروجها. وتقول الخبيرة "صحيح أن النظام الرملي لا يمكننا من الحفاظ على كميات كبيرة من المياه لكونه صغير المساحة، ولكن يجب أن نحافظ عليه لأن البلاد في حاجة الى كل قطرة ماء".

وتبيّن تقديرات منظمة الأغذية والزراعة العالمية للعام 2017، أن نصيب كل تونسي من الموارد المائية العذبة المتجددة سنويا فى مستوى 403 أمتار مكعبة، وهذه "ندرة مطلقة للمياه" لا تسمح بإرساء تنمية مستدامة.

وتونس جزء من منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط التي تواجه فقرا كبيرا في المياه العذبة المتجددة، وفقا للمنظمة الأممية. وتوجه 80 في المئة من الموارد المائية المتجددة في تونس الى الزراعة، وهذا إشكال كبير تواجهه الدولة في عملية التصرف في مواردها، ما دفع وزارة الفلاحة الى تكوين المزارعين في مجال ترشيد استعمال المياه.

وتحاول بعض منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال ترشيد استهلاك المياه بالتعاون مع منظمات دولية، القيام بمبادرات للحد من ظاهرة شح المياه، ومن بينها مشروع "فسقيتنا" لإعادة تأهيل مسابح قديمة لحفظ مياه الأمطار فيها، وتوزيعها على السكان في جزيرة جربة (شرق) التي تواجه مشكلة الانقطاع المتكرر للمياه.

وشكّل توفير الموارد المائية هاجسا لسكان الحضارات المتعاقبة على تونس منذ قرون، فأسس الأغالبة في القرن التاسع "فسقيات" في مدينة القيروان (وسط)، وهي عبارة عن مسابح كبرى لجمع مياه الأمطار والمحافظة عليها، فضلا عن أن الرومان شيّدوا في القرن الثاني معبد المياه في محافظة زغوان (وسط) وبنوا قنوات ضخمة لنقله لا تزال موجودة الى اليوم وتعرف "بالحنايا".