ما كانت قلة قليلة لتتوقع، منذ 12 شهراً، أن تكون منصة مُثقلة بالديون لبيع سيارات مُستعملة، ومجموعة لمستلزمات البناء، من بين الأفضل أداء في سوق الأسهم الأمريكية. لكن هاتين الشركتين، كانتا اثنتين فقط من المفاجآت في عام شهد تحول مصنعة الرقائق «إنفيديا» إلى واحدة من صفقات الملاذ الآمن، كما شهد سير الأسهم، بخضوع، على خطى عوائد السندات.

كانت هذه فقط بعض الأمثلة على أن الافتراضات الأولية لم تكن دائماً أفضل الرهانات في 2023 ومن حيث القطاعات، كان نجاح شركات تشييد المنازل هو أكثر شيء لم ترجح الغالبية حدوثه. فقد كان من المُتوقع أن يؤدي رفع الفائدة إلى تراجع أسعار المنازل، لكنه، عوضاً عن ذلك، حاصر فعلياً ملاك المنازل الأمريكيين المترددين في التخلي عن رهونهم العقارية الثابتة المنخفضة لأجل 30 عاماً، وهو أمر حدث آخر مرة منذ عهد طويل لا يتذكره الكثيرون.

لقد أسفر نقص المعروض، الناجم عن هذا الوضع، عن دفع الأسعار لمستويات قياسية جديدة، ولم يتمكن المطورون من البناء بالسرعة الكافية حتى أن وارن بافيت اقتنع بالأمر، لكن في حقيقة الأمر، كانت شركة موردة هي الأفضل أداءً. فقد ارتفعت أسهم شركة بناء المنازل «فيرست سورس» بأكثر من %150، لتنضم بذلك إلى «إس آند بي 500» في ديسمبر، حيث تصنّفها مكاسبها بين الخمسة الأفضل أداءً هذا العام. والاستنتاج الأكثر بساطة من كل ذلك هو الأقدم والقائل: إذا ما رأيت اندفاعاً نحو الذهب، سارع بشراء المعاول والجواريف.

من ناحية أخرى، قفزت أسهم منصة بيع السيارات المُستعملة «كارفانا» بأكثر من 1,000 %. لقد بدا تقييمها، مع بداية العام، وكأنه قصة أخرى للتحول من الانتعاش إلى الكساد بسبب الجائحة، فهوت قيمتها السوقية إلى قرابة مليار دولار من قمة تخطت 50 مليار دولار.

وبينما أحدث تصاعد الفائدة الكثير من القلق بين الدائنين، وبمن فيهم «أبولو». فقد تمكن مديرو «كارفانا» من إعادة هيكلة ديونهم، وظل الداعمون على متن سفينتها ولم يقفزوا منها، فحققت ربحاً صافياً ربع سنوي للمرة الثانية فقط في سبتمبر. وكان الاقتصاد المنتعش عاملاً مساعداً، إذ حققت منصة «كار غوروز» هي الأخرى مكاسب بنحو 70 %، لكن كان من شأن الانتباه والتركيز الشديد أن يساعد في انتقاء الصفقة الحقيقية من بين كافة الأسهم الموجودة في السوق.

وبصفة أعم، كانت الفائدة هي العامل المتأرجح الأبرز في 2023، إذ تنامت المخاوف بشأن زيادات الفائدة، ثم انحسرت في خضم الاضطرابات التي عمت المصارف في مارس، لكنها عادت من جديد في الصيف، قبل خفوتها في الشهرين الأخيرين.

ووسط كل ذلك، كانت رؤية الأسهم وهي تقتفي أثر أسعار السندات هي المسألة الأكثر إثارة للحيرة، وبالتالي تحركت في الاتجاه المعاكس لعوائد السندات. وقلب هذا نمطاً دام طيلة عقود، رأساً على عقب، بشأن العلاقة بين الاثنين.

وقالت ليز آن سوندرز، كبيرة الخبراء الاستراتيجيين في الاستثمار لدى «تشارلز شواب»: «يشير تصاعد العوائد إلى نمو أفضل، عندما لا تكون قلقاً بشأن التضخم، وهو أمر إيجابي للأسهم. لكنه غالباً ما يكون نذيراً بعودة التضخم في الحقب التضخمية، وهو أمر سلبي».

وتابعت: «في واقع الأمر، جلست سوق السندات خلال 2023 في مقعد قيادة سوق الأسهم، وهو واحد من أكثر الأمور التي حدثت هذا العام أهمية».

وبافتراض استمرار هذا التحول، سيتحتم على المستثمرين التفكير ملياً فيما تخبر به عوائد السندات حقاً. فقد تسبب انخفاض العوائد لأجل 10 أعوام من 5 % في أكتوبر إلى ما دون 4 % حالياً، في ارتفاع «إس آند بي 500» بنحو 16 %. لكن هل يشير تراجع العوائد إلى أوضاع مالية أكثر تيسيراً من شأنها دعم النشاط الاقتصادي وأرباح الشركات، أم يجب فهمها باعتبارها توقعاً لمستثمري السندات بتباطؤ النمو على نحو ملحوظ؟

بخلاف ذلك، لا يمكن لأي نظرة على 2023 أن تتجاوز «أسهم التكنولوجيا السبع الرائعة» التي تشكل أكثر من نصف مكاسب «إس آند بي 500» العام الماضي بل كانت هذه الأسهم أكثر هيمنة في أوائل الصيف.

وإذا ما كان هناك درس نتعلمه من تفضيل «أبل» و«مايكروسوفت» و«ألفابيت» المالكة لـ«غوغل» و«أمازون» و«ميتا» المالكة لـ«فيسبوك»، و«تسلا» و«إنفيديا»، فربما يكون السؤال عما كان يدفعها في بادئ الأمر.

إن هيمنتها لم تبدأ في التنامي إلا بعد مارس، ثم حفزت قوة مكاسب «إنفيديا» أواخر مايو، البحث الذي يركز على النمو بالأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. ويتعلق الاستثمار في شركات التكنولوجيا بأسهم النمو، وتُعد الموضوعات المثيرة، مثل الذكاء الاصطناعي، هي المحفز القوي. لكن يمكن النظر أيضاً إلى «أسهم التكنولوجيا السبع الرائعة» على أنها نوع من أنواع التداول الآمن، لكونها شركات كبيرة لم تكن تعتمد على مصارف متعثرة أو أسواق رأس مال متقلبة.

وفي بعض الأحيان، يكون جمع الشركات، إما في سلة النمو أو القيمة، سهلاً للغاية. وقد ساعد اعتبار هذه الأسهم بمثابة ملاذ آمن للمستثمرين الذين يركزون على أسهم القيمة في التجاوز عن التقييمات المبكرة التي يسيل لها اللعاب، وربما الانضمام إلى موجة المكاسب.

ويرى مايكل أورورك، الخبير الاستراتيجي لدى «جونز تريدنغ»، وهو الذي كان أول من صاغ مصطلح «السبع الرائعة»: «لا أؤمن بمطاردة الأسهم باهظة الثمن للغاية، وما زلت غير متأكد من أن سلوك هذه المجموعة دال على أساسيات هذه الشركات».

وأضاف: «أعتقد بأن على الجميع التواضع قليلاً هنا»، وأسهب: «حتى الخبراء الاستراتيجيين والمستثمرين الذين رجحوا ارتفاع إس آند بي، هل توقعوا أن يكون مدفوعاً إلى هذا الحد بسبع شركات؟». إذا كان ثمة استنتاج من 2023، فيجب أن يكون «لنأخذ الحيطة من الافتراضات السهلة».